سورة سبإ
مكية ، [إلا آية ٦ فمدنية]
وآياتها ٥٤ [نزلت بعد لقمان]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)(٢)
ما في السماوات والأرض كله نعمة من الله ، وهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه من أجله ، ولما قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ثم وصف ذاته بالإنعام بجميع النعم الدنيوية ، كان معناه : أنه المحمود على نعم الدنيا ، كما تقول : احمد أخاك الذي كساك وحملك ، تريد : احمده على كسوته وحملانه. ولما قال (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) علم أنه المحمود على نعم الآخرة وهو الثواب. فإن قلت : ما الفرق بين الحمدين؟ قلت : أمّا الحمد في الدنيا فواجب ، لأنه على نعمة متفضل بها ، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة وهي الثواب. وأمّا الحمد في الآخرة فليس بواجب (١) ، لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها (٢) ، إنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم : يلتذون به كما يلتذ من به العطاش (٣) بالماء البارد (وَهُوَ الْحَكِيمُ) الذي أحكم أمور الدارين ودبرها بحكمته (الْخَبِيرُ) بكل كائن يكون. ثم ذكر مما يحيط به علما (ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) من
__________________
(١) قال محمود : «الحمد الأول واجب لأنه على نعمة متفضل بها ، والثاني : ليس بواجب ، لأنه على نعمة واجبة على المنعم» قال أحمد : والحق في الفرق بين الحمدين : أن الأول عبادة مكلف بها ، والثاني غير مكلف به ولا متكلف ، وإنما هو في النشأة الثانية كالجليات في النشأة الأولى ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس» وإلا فالنعمة الأولى كالثانية بفضل من الله تعالى على عباده ، لا عن استحقاق. والله الموفق.
(٢) قوله «نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها» مبنى على مذهب المعتزلة ، أما أهل السنة فلا يوجبون على الله شيئا ، ولا يجب الحمد في الآخرة ، لأنها ليست دار تكليف. (ع)
(٣) قوله «كما يلتذ من به العطاش» في الصحاح «العطاش» : داء يصيب الإنسان : يشرب الماء فلا يروى. (ع)