للهو واللعب ، وإنما سويناها للفوائد الدينية والحكم الربانية ، لتكون مطارح افتكار واعتبار واستدلال ونظر لعبادنا ، مع ما يتعلق لهم بها من المنافع التي لا تعدّ والمرافق التي لا تحصى. ثم بين أنّ السبب في ترك اتخاذ اللهو واللعب وانتفائه عن أفعالى : هو أن الحكمة صارفة عنه ، وإلا فأنا قادر على اتخاذه إن كنت فاعلا لأنى على كل شيء قدير. وقوله (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) كقوله (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) أى من جهة قدرتنا. وقيل : اللهو الولد بلغة اليمن. وقيل المرأة. وقيل من لدنا ، أى من الملائكة لا من الإنس ، ردّا لولادة المسيح وعزير.
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (١٨)
(بَلْ) إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب ، وتنزيه منه لذاته ، كأنه قال : سبحاننا أن نتخذ اللهو واللعب (١) ، بل من عادتنا وموجب حكمتنا واستغنائنا عن القبيح أن نغلب اللعب بالجد ، وندحض الباطل بالحق. واستعار لذلك القذف (٢) والدمغ ، تصويرا لإبطاله وإهداره ومحقه فجعله كأنه جرم صلب كالصخرة مثلا ، قذف به على جرم رخو أجوف فدمغه (٣) ، ثم قال (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) به مما لا يجوز عليه وعلى حكمته. وقرئ : فيدمغه بالنصب ، وهو في ضعف قوله :
__________________
(١) قال محمود : «معناه سبحاننا أن نتخذ لهوا ولعبا ... الخ» قال أحمد : وله تحت قوله واستغنائنا عن القبيح دفين من البدعة والضلالة ، ولكنه من الكنوز التي يحمى عليها في نار جهنم ، وذلك أن القدرية يوجبون على الله تعالى رعاية المصالح وفعل ما يتوهمونه حسنا بعقولهم ، ويظنون أن الحكمة تقتضي ذلك ، فلا يستغنى الحكيم على زعمهم عن خلق الحسن على وفق الحكمة بخلاف القبيح ، فان الحكمة تقتضي الاستغناء عنه ، فالى ذلك يلوح الزمخشري وما هي إلا نزعة سبق إليها ضلال الفلاسفة. ومن ثم يقولون : ليس في الإمكان أكمل من هذا العالم ، لأنه لو كان في القدرة أكمل منه وأحسن ، ثم لم يخلقه الله تعالى : لكان بخلا ينافي الجود ، أو عجزا ينافي القدرة ، حتى انبعهم في ذلك من لا نسميه من أهل الملة ـ عفا الله عنه ـ إن كان هذا مما يدخل تحت ذيل العفو. فالحق أن الله تعالى مستغن عن جميع الأفعال حسنة كانت أو غيرها ، مصلحة كانت أو مفسدة. وأن له أن لا يخلق ما يتوهمه القدرية حسنا ، وله أن يفعل ما يتوهمونه في الشاهد قبيحا ، وأن كل موجود من فاعل وفعل على الإطلاق فبقدرته وجد ، فليس في الوجود إلا الله وصفاته وأفعاله ، وهو مستغن عن العالم بأسره ، وحسنه وقبحه ، فلو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم على أتقى قلب رجل منكم لم يزد ذلك في ملكه شيئا ، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم على أفجر قلب رجل منكم لم ينقص ذلك من ملكه شيئا. اللهم ألهمنا الحق واستعملنا به.
(٢) عاد كلامه. قال : «وفي قوله تعالى بل نقذف بالحق على الباطل استعارة حسنة : استعار القذف ... الخ» قال أحمد : ومثل هذا التنبيه من حسناته ، ولو لا أن السيئة التي قبلها تتعلق بالعقيدة لتلوت : إن الحسنات يذهبن السيئات ، والله أعلم.
(٣) قوله «فدمغه» في الصحاح : أى شجه حتى بلغت الشجة الدماغ. (ع)