(وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)(٤٧)
وصفت (الْمَوازِينَ) بالقسط وهو العدل ، مبالغة ، كأنها في أنفسها قسط. أو على حذف المضاف ، أى : ذوات القسط. واللام في (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) مثلها في قولك : جئته لخمس ليال خلون من الشهر. ومنه بيت النابغة :
ترسّمت آيات لها فعرفتها |
|
لسنّة أعوام وذا العام سابع (١) |
وقيل : لأهل يوم القيامة ، أى لأجلهم. فإن قلت : ما المراد بوضع الموازين؟ قلت : فيه قولان ، أحدهما : إرصاد الحساب السوىّ ، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والنصفة ، من غير أن يظلم عباده مثقال ذرّة ، فمثل ذلك بوضع الموازين لتوزن بها الموزونات. والثاني : أنه يضع الموازين الحقيقية ويزن بها الأعمال. عن الحسن : هو ميزان له كفتان ولسان. ويروى : أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان ، فلما رآه غشى عليه ، ثم أفاق فقال : يا إلهى من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات ، فقال : يا داود ، إنى إذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة. فإن قلت : كيف توزن الأعمال وإنما هي أعراض؟ قلت : فيه قولان ، أحدهما : توزن صحائف الأعمال. والثاني : تجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة ، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة. وقرئ (مِثْقالَ حَبَّةٍ) على «كان» التامة ، كقوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ). وقرأ ابن عباس ومجاهد : (أَتَيْنا بِها) وهي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة ، لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء. وقرأ حميد : أثبنا بها ، من الثواب. وفي حرف أبىّ : جئنا بها. وأنث ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة ، كقولهم : ذهبت بعض أصابعه ، أى : آتيناهما.
__________________
(١) عفا قسم من فرتنا فالفوارع |
|
فجنبا أريك فالتلاع الدواقع |
توسمت آيات لها فعرفتها |
|
لستة أعوام وذا العام سابع |
للنابغة. وعفا : بلى وخلا. وفرتنا اسم محبوبته. وقسم ، والفوارع ، وأريك : أسماء مواضع. والتلاع : المواضع المرتفعة. والدواقع ـ بالقاف ـ : المقفرة كثيرة التراب. ودقع الرجل دقعا ، كتعب ، إذا التصق بالدقعاء وهي الأرض الكثيرة التراب من شدة فقره. وأما بالفاء فهي التي يدفع فيها السيل بكثرة. وتوسمت بالواو تتبعت سمانها وعلاماتها فعرفتها بها. ويروى بالراء ، أى : تتبعت رسومها وآثارها فعرفتها ، أى : تلك المواضع السابقة. وقوله «لستة أعوام» أى مستقبلا تمام ستة أعوام مضت من عهدها ، وهذا العام الحاضر الذي نحن فيه هو السابع. ولو قال : لسبعة أعوام ، لأفاد أن السبعة كلها مضت وليس مرادا. فقول بعضهم : إنه كان يكفيه أن يقول : لسبعة أعوام ، فعجز عن إتمامه ، وكمله بما لا معنى له ، لا وجه له إلا عدم التبصر.