لأردنها تثب وثب الفهود وملأ بيتها حبا. كان أيوب عليه السلام روميا من ولد إسحاق بن يعقوب عليهم السلام ، وقد استنبأه الله وبسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله : كان له سبعة بنين وسبع بنات ، وله أصناف البهائم ، وخمسمائة فدان (١) يتبعها خمسمائة عبد ، لكل عبد امرأة وولد ونخيل ، فابتلاه الله بذهاب ولده ـ انهدم عليهم البيت فهلكوا ـ وبذهاب ماله ، وبالمرض في بدنه ثماني عشرة سنة. وعن قتادة : ثلاث عشرة سنة. وعن مقاتل : سبعا وسبعة أشهر وسبع ساعات ، وقالت له امرأته يوما : لو دعوت الله ، فقال لها : كم كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة ، فقال : أنا أستحى من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي فلما كشف الله عنه أحيا ولده ورزقه مثلهم ونوافل منهم. وروى أن امرأته ولدت بعد ستة وعشرين ابنا. أى : لرحمتنا العابدين وأنا نذكرهم بالإحسان لا ننساهم أو رحمة منا لأيوب وتذكرة لغيره من العابدين ، ليصبروا كما صبر حتى يثابوا كما أثيب في الدنيا والآخرة.
(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ)(٨٦)
قيل في ذى الكفل : هو إلياس. وقيل : زكريا. وقيل : يوشع بن نون ، وكأنه سمى بذلك لأنه ذو الحظ من الله والمجدود (٢) على الحقيقة. وقيل : كان له ضعف عمل الأنبياء في زمانه وضعف ثوابهم. وقيل : خمسة من الأنبياء ذوو اسمين : إسرائيل ويعقوب. إلياس وذو الكفل. عيسى والمسيح. يونس وذو النون. محمد وأحمد : صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٨٧)
(النُّونِ) الحوت ، فأضيف إليه. برم (٣) بقومه لطول ما ذكرهم فلم يذكروا وأقاموا على كفرهم ، فراغمهم وظنّ أنّ ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلا غضبا لله وأنفة لدينه وبغضا للكفر وأهله ، وكان عليه أن يصابر وينتظر الإذن من الله في المهاجرة عنهم ، فابتلى ببطن الحوت. ومعنى مغاضبته لقومه : أنه أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها. وقرأ أبو شرف : مغضبا. قرئ : نقدر. ونقدّر ، مخففا ومثقلا. ويقدر ، بالياء بالتخفيف. ويقدر.
__________________
(١) قوله «وخمسمائة فدان» في الصحاح «الفدن» القصر. والفدان : آلته الثورين للحرث. (ع)
(٢) قوله «والمجدود» في الصحاح «الجد» الحظ والبخت. تقول : جددت يا فلان ، أى : صرت ذا جد ، فأنت جديد حظيظ ، ومجدود محظوظ. (ع)
(٣) قوله «برم بقومه» سئمهم وتبرم بهم. أفاده الصحاح. (ع)