أى : تحسبونه صغيرة وهو عند الله كبيرة موجبة (١). وعن بعضهم أنه جزع عند الموت ، فقيل له ، فقال : أخاف ذنبا لم يكن منى على بال وهو عند الله عظيم. وفي كلام بعضهم : لا تقولنّ لشيء من سيئاتك حقير ، فلعله عند الله نخلة وهو عندك نقير. وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام وعلق مس العذاب العظيم بها ، أحدها : تلقى الإفك بألسنتهم ، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول له : ما وراءك؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع وانتشر ؛ فلم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه. والثاني : التكلم مما لا علم لهم به. والثالث : استصغارهم لذلك و «وعظيمة من العظائم.
(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ)(١٦)
فإن قلت : كيف جاز الفصل بين لو لا وقلتم؟ قلت : للظروف شأن وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها ، فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها. فإن قلت : فأىّ فائدة في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلا؟ قلت : الفائدة فيه بيان أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أوّل ما سمعوا بالإفك عن التكلم به ، فلما كان ذكر الوقت أهمّ وجب التقديم. فإن قلت : فما معنى يكون ، والكلام بدونه متلئب (٢) لو قيل ما لنا أن نتكلم بهذا؟ قلت : معناه معنى : ينبغي ، ويصح أى : ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا. وما يصح لنا. ونحوه : ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق. و (سُبْحانَكَ) للتعجب من عظم الأمر (٣). فإن قلت : ما معنى التعجب في كلمة التسبيح؟ قلت : الأصل في ذلك أن يسبح الله عند رؤية العجيب من صنائعه ، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه أو لتنزيه الله تعالى من أن تكون حرمة نبيه عليه السلام فاجرة. فإن قلت : كيف جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ، ولم يجز أن تكون فاجرة؟ قلت : لأنّ الأنبياء مبعوثون إلى الكفار ليدعوهم ويستعطفوهم ،
__________________
(١) قوله «وهو عند الله كبيرة موجبة» لعله موجبة للعقاب. (ع)
(٢) قوله «والكلام بدونه متلئب» لعله : محرف ، وأصله مستتب. وفي الصحاح : استتب الأمر : تهيأ واستقام. (ع)
(٣) قال محمود : «معناه التعجب من عظم الأمر ، وأصله أن الإنسان إذا رأى عجيبا من صنائع الله تعالى سبحه ، ثم كثر حتى استعمل عند كل متعجب منه ، ثم أوردها هنا سؤالا على توبيخهم على ترك التعجب فقال: إن قلت : لم جاز أن تكون زوجة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة ، ولم يكن كفرها متعجبا منه وفجورها متعجب منه؟ قلت : لأن الأنبياء مبعوثون إلى الكفار ليدعوهم ويتزلفوا إليهم ، وكفر الزوجة غير مانع ولا منفر بخلاف الكشخنة» قال أحمد : وما أورد عليه أبرد من هذا السؤال ، كأن أحدا يشكل عليه أن ينسب الفاحشة إلى مثل عائشة ، مما ينكره كل عاقل ويتعجب منه كل لبيب ، والله الموفق ،