من العجمي الرومي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب. والزور : أن بهتوه بنسبة ما هو برىّ منه إليه.
(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٥)
(أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ما سطّره المتقدمون من نحو أحاديث رستم وإسفنديار ، جمع : أسطار أو أسطورة كأحدوثة (اكْتَتَبَها) كتبها لنفسه وأخذها ، كما تقول : استكب الماء واصطبه : إذا سكبه وصبه لنفسه وأخذه. وقرئ : أكتتبها. على البناء للمفعول. والمعنى : اكتتبها كاتب له. لأنه كان أمّيا لا يكتب بيده ، وذلك من تمام إعجازه ، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب ، كقوله (واختار موسى قومه) ثم بنى الفعل للضمير الذي هو إياه فانقلب مرفوعا مستترا بعد أن كان بارزا منصوبا ، وبقي ضمير الأساطير على حاله ، فصار (اكتتبها) كما ترى. فإن قلت : كيف قيل : اكتتبها (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) وإنما يقال : أمليت عليه فهو يكتتبها؟ قلت : فيه وجهان. أحدهما : أراد اكتتابها أو طلبه فهي تملى عليه. أو كتبت له وهو أمىّ فهي تملى عليه : أى تلقى عليه من كتابه يتحفظها : لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب. وعن الحسن : أنه قول الله سبحانه يكذبهم وإنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة للاستفهام الذي في معنى الإنكار. ووجهه أن يكون نحو قوله :
أفرح أن أرزأ الكرام وأن |
|
أورث ذودا شصائصا نبلا (١) |
وحق الحسن أن يقف على الأولين. (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أى دائما ، أو في الخفية قبل أن ينتشر الناس ، وحين يأوون إلى مساكنهم.
__________________
(١) إن كنت أزننتني بها كذبا |
|
جزء فلاقيت بعدها عجلا |
أفرح أن أرزأ الكرام وأن |
|
أورث ذودا شصائصا نبلا |
لحضرمى بن عامر ، يخاطب جزء بن سنان بن مؤلة حين اتهمه بسروره بأخذ دية أخيه القتيل ، وقيل : لجرير ، وليس بذاك. وجزء ـ بفتح فسكون ـ وإن هنا للشرط مجردا عن السك ، أو بمعنى إذ. وأزننتنى : أى تهمتنى بها : أى بتلك الفعلة الرذيلة كذبا منك يا جزء ، فهو منادى ، فلاقيت أنت بعدها عجلا : دعاء عليه بأن ينال مثلها سريعا ، وينظر هل يفرح أو يحزن؟ وروى : فلاقيت مثلها عجلا. أفرح ، أى : أأفرح بأن أرزأ الكرام وأصاب فيهم ، فحذفت همزة الاستفهام الإنكاري أو التعجبي على فرض الوقوع لدلالة المقام عليها ، وليصور الكلام بصورة الاخبار والإثبات ، فيظهر للخصم قبح دعواه. وأرزأ : مبنى للمجهول ، وكذلك أورث ، أى : أعطى ذودا : أى قطيعا من الإبل بعد موتهم. والذود : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، مؤنث لا واحد له من لفظه ، عبر به عن الدية كلها استقلالا وتحقيرا لها. ولذلك وصفه بشصائصا : جمع شصوص ، وهي النافة القليلة اللبن. وصرفه للوزن. والنبل ـ كسبب ـ : جمع نبيل. ويروى بالضم ، فهو جمع نبيل أيضا ، ككرم وكريم. أو جمع نبلة ، كغرف وغرفة : أي الصغار؟؟؟ أو النجائب فهو من الأضداد ، لكن الأول أوفق بالمقام. ويجوز أن الدية كانت عشرة.