إعدادات
الكشّاف [ ج ٣ ]
الكشّاف [ ج ٣ ]
تحمیل
فيقول : حجرا ، وهي من حجره إذا منعه ، لأنّ المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه فكان المعنى : أسأل الله أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا. ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الحسن ، تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد ، كما كان قعدك وعمرك كذلك ، وأنشدت لبعض الرّجاز :
قالت وفيها حيدة وذعر |
|
عوذ بربىّ منكم وحجر (١) |
فإن قلت : فإذ قد ثبت أنه من باب المصادر ، فما معنى وصفه بمحجور؟ قلت : جاءت هذه الصفة لتأكيد معنى الحجر ، كما قالوا. ذيل ذائل ، والذيل : الهوان. وموت مائت. والمعنى في الآية : أنهم يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه ، وهم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم ، لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون ، وقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ الموتور (٢) وشدة النازلة. وقيل : هو من قول الملائكة ومعناه: حراما محرما عليكم الغفران والجنة والبشرى ، أى : جعل الله ذلك حراما عليكم.
(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)(٢٣)
ليس هاهنا قدوم ولا ما يشبه القدوم ، ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم ، وإغاثة ملهوف ، وقرى ضيف ، ومنّ على أسير ، وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه ، فقدم إلى أشيائهم ، وقصد إلى ما تحت أيديهم فأفسدها ومزقها كل ممزق ، ولم يترك لها أثرا ولا عثيرا (٣) والهباء : ما يخرج من الكوّة مع ضوء الشمس شبيه بالغبار. وفي أمثالهم : أقل من الهباء (مَنْثُوراً) صفة للهباء ، شبهه بالهباء في قلته وحقارته عنده ، وأنه لا ينتفع به ، ثم بالمنثور منه ، لأنك تراه منتظما مع الضوء ، فإذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب كل مذهب. ونحوه قوله (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) لم يكف أن شبههم بالعصف حتى جعله مؤوفا بالأكال (٤) ولا أن شبه عملهم بالهباء حتى جعله متناثرا. أو مفعول ثالث لجعلناه أى فجعلناه جامعا لحقارة الهباء والتناثر ، كقوله (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أى جامعين للمسح والخسء. ولام الهباء واو ، بدليل الهبوة.
(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)(٢٤)
__________________
(١) الحيدة : الصدود ، وذعره ذعرا : فزعه. والذعر ـ بالضم ـ : اسم مصدر ، وكذلك العوذ بمعنى التعوذ والالتجاء ، وكذلك الحجر بمعنى الامتناع والتحصن ، والمبتدأ محذوف ، أى : قالت أمرى تعوذ منكم وتحصن بربي ، والحال أنها صادة فزعة ، وهذا يقال على لسانهم عند لقاء المكروه.
(٢) قوله «الموتور» في الصحاح : الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه. (ع)
(٣) قوله «لم يترك لها أثرا ولا عثيرا» في الصحاح «العثير» بتسكين الثاء : الغبار. (ع)
(٤) قوله «بالأكال» هو بالضم : الحكة. (ع)