الإعادة في نفسها عظيمة ، ولكنها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق. ومعناه : أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء ، لأن تكوينه في حدّ الاستحكام ، والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا ، من أن يتنقل في أحوال ويندرج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ. وقيل : الأهون بمعنى الهين. ووجه آخر : وهو أن الإنشاء من قبيل التفضل الذي يتخير فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله ، والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بدّ له من فعله ، لأنها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب (١) ، والأفعال : إما محال والمحال ممتنع أصلا (٢) خارج عن المقدور ، وأما ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح ، وهو رديف المحال ، لأنّ الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة. وإما تفضل والتفضل حالة بين بين ، للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله. وإما واجب لا بدّ من فعله ، ولا سبيل إلى الإخلال به ، فكان الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول. فلما كانت الإعادة من قبيل الواجب ، كانت أبعد الأفعال من الامتناع. وإذا كانت أبعدها من الامتناع ، كانت أدخلها في التأنى والتسهل ، فكانت أهون منها (٣). وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أى الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله قد عرف به. ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل ، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ، ويدل عليه قوله تعالى (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أى القاهر لكل مقدور ، الحكيم الذي يجرى كل فعل على قضايا حكمته وعلمه. وعن مجاهد : المثل الأعلى : قول لا إله إلا الله ، ومعناه : وله الوصف الأعلى الذي هو الوصف بالوحدانية. ويعضده قوله تعالى (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) وقال الزجاج : وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ، أى : قوله تعالى (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل. يريد : التفسير الأوّل.
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ
__________________
(١) قوله «وجزاؤها واجب ... الخ» هذا عند المعتزلة ، ولا يجب على الله شيء عند أهل السنة كما تقدم في محله. (ع)
(٢) عاد كلامه : قال في تقرير معنى قوله وهو أهون عليه : الأفعال إما ممتنع عقلا لذاته ، وإما ممتنع لصارف يصرف الحكيم عن فعله. وإما تفضل يتخير الحكيم فيه بين أن يفعل وأن لا. وإما واجب على الحكيم أن يفعله فالانشاء الأول من قبيل التفضل ، وأما الاعادة فواجبة على الله تعالى لأجل الجزاء ، فلما كانت واجبة كانت أبعد الأفعال عن الممتنع ، فلذلك وصفت بالتسهيل وكانت أهون من الإنشاء» قال أحمد : لقد ضل وصد عن السبيل ، فلا نوافقه ولا ترافقه ، والحق : أن لا واجب على الله تعالى ، وكل ما ذكره في هذا الفصل نزغات قدرية ، على أنها أيضا غير مستقيمة على أصولهم المجتثة ، فان مقتضاها وجوب الإنشاء في الحكمة ، إذ لو لا مصلحة اقتضت الإنشاء لما وقع ، وتلك المصلحة توجب متعلقها ، فقد وضح أن المصنف لا إلى معالى السنة رقى ، ولا في حضيض الاعتزال بقي ، فلله العصمة.
(٣) قوله فكانت أهون منها» أى من بقية الأفعال. (ع)