«ما بين فناء الدنيا إلى وقت البعث أربعون» (١) قالوا : لا نعلم أهى أربعون سنة أم أربعون ألف سنة؟ وذلك وقت يفنون فيه وينقطع عذابهم ، وإنما يقدّرون وقت لبثهم بذلك على وجه استقصارهم له. أو ينسون أو يكذبون أو يخمنون (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أى مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق والتحقيق في الدنيا ، وهكذا كانوا يبنون أمرهم على خلاف الحق. أو مثل ذلك الإفك كانوا يؤفكون في الاغترار بما تبين لهم الآن أنه ما كان إلا ساعة.
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)(٥٧)
القائلون : هم الملائكة ، والأنبياء ، والمؤمنون (فِي كِتابِ اللهِ) في اللوح. أو في علم الله وقضائه. أو فيما كتبه ، أى : أوجبه بحكمته. ردّوا ما قالوه وحلفوا عليه ، وأطلعوهم على الحقيقة تم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه. فإن قلت : ما هذه الفاء؟ وما حقيقتها؟ قلت : هي التي في قوله :
فقد جئنا خراسانا (٢)
وحقيقتها : أنها جواب شرط يدل عليه الكلام ، كأنه قال : إن صح ما قلتم من أن خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان ، وآن لنا أن نخلص ، وكذلك إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث ، أى فقد تبين بطلان قولكم. وقرأ الحسن يوم البعث ، بالتحريك (لا يَنْفَعُ) قرئ بالياء والتاء (يُسْتَعْتَبُونَ) من قولك : استعتبني فلان فأعتبته. أى : استرضانى فأرضيته ، وذلك إذا كنت جانيا عليه. وحقيقة أعتبته : أزلت عتبه. ألا ترى إلى قوله :
غضبت تميم أن تقتّل عامر |
|
يوم النّسار فأعتبوا بالصّيلم (٣) |
__________________
(١) لم أجده هكذا. وفي الصحيحين عن أبى هريرة مرفوعا «ما بين النفختين» أربعون قالوا : يا أبا هريرة أربعون سنة؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون شهرا؟ قال : أبيت قالوا : أربعون يوما؟ قال : أبيت».
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بهذا الجزء صفحة ٢٧١ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ١٠٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.