أخصّ وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلّا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم ، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمّروا لك في جنب ما خرّبوا عليك. فانظر لنفسك فإنّه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسئول ...» (١).
ما أعظم كلمة «وحاسبها حساب رجل مسئول» فإنّ الإنسان حينما يغلبه هواه يستهين في أغوار مكنون سرّه بكرامة نفسه ، بمعنى أنّه لا يجده مسئولا عن أعماله ، ويستحقر ما يأتي به من أفعال ، ويتخيّل أنّه ليس بذلك الذي يحسب له الحساب على ما يرتكبه ويقترفه ، أنّ هذا من أسرار النفس الإنسانيّة الأمّارة ، فاراد الإمام أن ينبّه الزهري على هذا السرّ النفساني في دخيلته الكامنة ، لئلا يغلب عليه الوهم فيفرّط في مسئوليته عن نفسه.
وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمّال مع الإمام موسى الكاظم ـ عليه السلام ـ وقد كان من شيعته ورواة حديثه الموثقين قال ـ حسب رواية الكشي في رجاله بترجمة صفوان : دخلت عليه
فقال لي : يا صفوان كلّ شيء منك حسن جميل ، خلا شيئا واحدا.
قلت : جعلت فداك! أيّ شيء؟
قال : إكراؤك جمالك من هذا الرجل «يعني هارون».
قلت : والله ، ما أكريته أشرا ولا بطرا ، ولا للصيد ، ولا للهو ، ولكن أكريته لهذا الطريق «يعني طريق مكة» ولا أتولّاه بنفسي
__________________
(١) راجع تحف العقول ص ٦٦.