نعم ، إن تلك العقيدة في البعث والمعاد على بساطتها هي التي جاء بها الدين الإسلامي ، فإذا أراد الإنسان أن يتجاوزها إلى تفصيلها بأكثر ممّا جاء في القرآن ليقنع نفسه دفعا للشبه التي يثيرها الباحثون والمشكّكون بالتماس البرهان العقلي ، أو التجربة الحسيّة ، فإنّه إنّما يجني على نفسه ، ويقطع في مشكلات ومنازعات ، لا نهاية لها. وليس في الدين ما يدعو إلى مثل هذه التفصيلات التي حشدت بها كتب المتكلمين والمتفلسفين ، ولا ضرورة دينية ولا اجتماعية ولا سياسية تدعو إلى أمثال هاتيك المشاحنات والمقالات المشحونة بها الكتب عبثا والتي استنفدت كثيرا من جهود المجادلين وأوقاتهم وتفكيرهم بلا فائدة.
والشبه والشكوك التي تثار حول التفصيلات يكفي في ردّها قناعتنا بقصور الإنسان عن إدراك هذه الامور الغائبة عنّا ، والخارجة عن افقنا ، ومحيط وجودنا ، والمرتفعة فوق مستوانا الأرضي ، مع علمنا بأنّ الله تعالى العالم القادر أخبرنا عن تحقيق المعاد ووقوع البعث. وعلوم الإنسان وتجربياته وأبحاثه يستحيل أن تتناول شيئا لا يعرفه ولا يقع تحت تجربته واختباره إلّا بعد موته وانتقاله من هذا العالم ـ عالم الحس والتجربة والبحث ـ فكيف ينتظر منه أن يحكم باستقلال تفكيره وتجربته بنفي هذا الشيء أو إثباته ، فضلا عن أن يتناول تفاصيله وخصوصيّاته إلّا إذا اعتمد على التكهن والتخمين أو على الاستبعاد والاستغراب ، كما هو من طبيعة خيال الإنسان أن يستغرب كلّ ما لم يألفه ولم يتناوله علمه وحسّه كالقائل المندفع بجهله لاستغراب البعث والمعاد (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ). ولا سند لهذا الاستغراب