فرض علمه بحسن الحسن ، وقبح القبيح ، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح ، فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج إلى تركه ، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله. وهو مع كل ذلك حكيم ، لا بد أن تكون فعله مطابقا للحكمة ، وعلى حسب النظام الأكمل.
فلو كان يفعل الظلم والقبح ـ تعالى عن ذلك ـ فإن الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور :
١ ـ أن يكون جاهلا بالأمر فلا يدري أنه قبيح.
٢ ـ أن يكون عالما به ، ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه.
٣ ـ أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ، ولكنه محتاج إلى فعله.
٤ ـ أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ، ولا يحتاج إليه ، فينحصر في أن يكون فعله له تشهيا وعبثا ولهوا.
وكل هذه الصور محال على الله تعالى ، وتستلزم النقص فيه ، وهو محض الكمال فيجب أن نحكم أنه منزه عن الظلم وفعل ما هو قبيح. غير أن بعض المسلمين جوز عليه تعالى فعل القبيح تقدست أسماؤه فجوز أن يعاقب المطيعين ، ويدخل الجنة العاصين بل الكافرين ، وجوز أن يكلف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه ، ومع ذلك يعاقبهم على تركه ، وجوز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع ، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة ، بحجة أنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فربّ أمثال هؤلاء الذين صوروه على عقيدتهم الفاسدة ، ظالم ، جائر ، سفيه ، لاعب ، كاذب ، مخادع ، يفعل القبيح ، ويترك الحسن الجميل ،