وأشرك غيره معه في الخلق.
واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن أئمتنا الأطهار ـ عليهم السلام ـ من الأمر بين الأمرين والطريق الوسط بين القولين الذي كان يعجز عن فهمه أمثال اولئك المجادلين من أهل الكلام ففرّط منهم قوم وأفرط آخرون ولم يكتشفه العلم والفلسفة إلّا بعد عدة قرون وليس من الغريب ممن لم يطلع على حكمة الأئمة ـ عليهم السلام ـ وأقوالهم أن يحسب أن هذا القول وهو الأمر بين الأمرين من مكتشفات بعض فلاسفة الغرب المتأخرين ، وقد سبقه إليه أئمتنا قبل عشرة قرون.
فقد قال إمامنا الصادق ـ عليه السلام ـ لبيان الطريق الوسط كلمته المشهورة : «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين الأمرين».
ما أجلّ هذا المغزى وما أدق معناه وخلاصته أن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ، ونحن أسبابها الطبيعية وهي تحت قدرتنا واختيارنا ، ومن جهة اخرى هي مقدورة لله تعالى وداخلة في سلطانه ؛ لأنه هو مفيض الوجود ومعطيه ، فلم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي ؛ لأن لنا القدرة والاختيار فيما نفعل ، ولم يفوض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه ، بل له الخلق والحكم والأمر وهو قادر على كل شيء ومحيط بالعباد.
وعلى كل حال فعقيدتنا أن القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى ، فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا افراط ولا تفريط فذاك ، وإلّا فلا يجب عليه أن يتكلف فهمه والتدقيق فيه ، لئلا يضل وتفسد عليه عقيدته ؛ لأنه من دقائق الامور ، بل من أدق مباحث الفلسفة