عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.
بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى ، ونهيهم نهيه ، وطاعتهم طاعته ، ومعصيتهم معصيته ، ووليّهم وليّه ، وعدوّهم عدوّه ، ولا يجوز الردّ عليهم ، والرادّ عليهم كالرادّ على الرسول ، والرادّ على الرسول كالرادّ على الله تعالى ، فيجب التسليم لهم ، والانقياد لأمرهم والأخذ بقولهم.
ولهذا نعتقد أنّ الأحكام الشرعيّة الإلهيّة لا تستقى إلّا من نمير مائهم ولا يصحّ أخذها إلّا منهم ولا تفرغ ذمّة المكلّف بالرجوع إلى غيرهم ، ولا يطمئن بينه وبين الله إلى أنّه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلّا من طريقهم. إنّهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات والادعاءات والمنازعات.
* * *
ولا يهمّنا من بحث الإمامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون ، وأهل السلطة الإلهيّة ، فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها. وإنّما الّذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم ، في الأخذ بأحكام الله الشرعيّة وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم على الوجه الصحيح الّذي جاء به. وأنّ في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الّذين لا يستقون من نمير مائهم ولا يستضيئون بنورهم ابتعادا عن محجّة الصواب في الدين ، ولا يطمئن المكلّف من فراغ ذمّته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى ؛ لأنّه مع فرض وجود الاختلاف