السلام فقيل : لأنه مسح بالبركة واليمن ، وروي ذلك عن الحسن ، وابن جبير ، وقيل : لأنه كان يمسح عين الأكمه فيبصر ، وروي ذلك عن الكلبي ، وقيل : لأنه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا برىء ، ورواه عطاء. والضحاك عن ابن عباس ، وقال الجبائي : لأنه كان يمسح بدهن زيت بورك فيه وكانت الأنبياء تتمسح به ، وقيل : لأن جبريل مسحه بجناحيه وقت الولادة ليكون عوذة من الشيطان الرجيم ، وقيل : لأنه حين مسح الله تعالى ظهر آدم عليهالسلام فاستخرج من ذرات ذريته لم يرده إلى مقامه كما فعل بباقي الذرات بل حفظه عنده حتى ألقاه إلى مريم فكان قد بقي عليه اسم المسيح أي الممسوح «وقيل : وقيل :» وهذه الأقوال تشعر بأن اللفظ عربي لا عبري ، وكثير من المحققين على الثاني ، واختاره أبو عبيدة ، وعليه لا اشتقاق لأنه لا يجري على الحقيقة في الأسماء الأعجمية ، وفي الكشف أن الظاهر فيه الاشتقاق لأنه عربي دخل عليه خواص كلامهم جعل لقب تشريف لهعليهالسلام ـ كالخليل ـ لإبراهيم ، وجعله معربا ثم إجراؤه مجرى الصفات في إدخال اللام لأنه في كلامهم بمعنى الوصف خلاف الظاهر.
ومن الناس من ادعى أن دخول اللام لا ينافي العجمة فإن ـ التوراة ، والإنجيل ، والإسكندر ـ لم تسمع إلا مقرونة بها مع أنها أعجمية ، ولعل ذلك لا ينافي أظهرية كون محل النزاع عربيا ، نعم قيل في عيسى : إنه مشتق من العيس وأنه إنما سمي به عليهالسلام لأنه كان في لونه عيسى أي بياض تعلوه حمرة كما يشير إليه خبر «كأنما خرج من ديماس» إلا أن المعول عليه فيه أنه لا اشتقاق له ، وأن القائل به كالراقم على الماء.
وهذا الخلاف إنما هو في هذا المسيح وأما المسيح الدجال فعربي إجماعا وسمي به لأنه مسحت إحدى عينيه ، أو لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في المدة القليلة وفرق النخعي بين لقب روح الله. وعدوه بأن الأول يفتح الميم والتخفيف. والثاني بكسر الميم وتشديد السين ـ كشرير ـ وأنكره غيره ـ وهو المعروف ـ ثم القائلون باللقبية في الآية وكون عيسى بدلا مثلا خص الكثير منهم منع تقديم اللقب على الاسم بما إذا لم يكن أشهر منه حقيقة أو ادعاء أما إذا كان أشهر كما هنا فإنه يجوز التقديم كما نص عليه ابن الأنباري ولا يختص بغير الفصيح كما فيما إذا لم يكن كذلك.
والمشهور فيما إذا كان الاسم واللقب مفردين إضافة الأول للثاني ، وفي المفصل تعينها ، وصنيع سيبويه يشير إلى ذلك ، ومن جوز التبعية استدل بقولهم : هذا يحيى ـ عينان ـ إذ لو أضيف لقيل عينين ، وحمله على لغة من يلزم المثنى الألف يرده أن الرواية بضم النون ولو كانت الرواية بالكسر لأمكن ذلك الحمل فلا يتم الاستدلال ، وكذا لو كانت بالفتح لأنه يمكن حينئذ أن يكون اللقب مجرورا بالإضافة إلا أن الفتحة فيه نائبة عن الكسرة بناء على القول بأن المسمى به يجوز أن يعرب كما لا ينصرف لكن أنت تعلم أن قصارى ما يثبته هذا الاستدلال الورود في هذا الجزئي. وأما أنه يثبت الاطراد فلا ، ولعل المانع إنما يمنع ذلك ، ويدعي أن المطرد هو الإضافة لكن بشرط أن لا يمنع منها مانع فلا تجوز فيما إذا قارنت ـ أل ـ الوضع لمنعها عن ذلك فلا يقال : الحرث ـ كرز ـ بالإضافة ، وكذا إذ كان اللقب وصفا في الأصل نحو إبراهيم الخليل ـ على ما نص عليه ابن الحاجب في شرح المفصل ـ لأن الموصوف لا يضاف إلى صفته في المشهور.
ومن الناس من جعل ما نحن فيه من هذا القبيل ، وهو مبني على مذهب من يقول : إن المسيح صفة في العربية ومع هذا في المسألة خلاف ابن هشام فإنه يجوز الإضافة في هذا القسم أيضا وتمام البحث في كتبنا النحوية فليفهم ، وإنما قيل : (ابْنُ مَرْيَمَ) مع كون الخطاب لها تنبيها على أنه يولد من غير أب ولو كان له أب لنسب إليه ، وفي ذلك رمز إلى تفضيل الأم أيضا ، وقيل : إن في ذلك ردا للنصارى ، وأبعد من ادعى أن هذه الإضافة لمدح عيسى عليهالسلام لأن الكلام حينئذ في قوة ابن عبادة ، هذا واعلم أن لفظ (ابْنُ) في الآية يكتب بغير همزة بناء على وقوعه صفة بين