ويصلح تعليلا للنهي فافهم (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) تنبيه على أن المخاطبين مخطئون في اتخاذهم بطانة ، وفي إعراب مثل هذا التركيب مذاهب للنحويين فقال الأزهري وابن كيسان وجماعة : إن (ها) للتنبيه ؛ و (أَنْتُمْ) مبتدأ وجملة (تُحِبُّونَهُمْ) خبره ، و (أُولاءِ) منادى أو منصوب على الاختصاص ، وضعف بأنه خلاف الظاهر والاختصاص لا يكون باسم الإشارة ، وقيل : (أَنْتُمْ) مبتدأ ، و (أُولاءِ) خبره ، والجملة بعد مستأنفة ، ويؤيد ذلك ما قاله الرضي من أنه ليس المراد من ـ ها أنا ذا أفعل ، وها أنت ذا تفعل ـ تعريف نفسك أو المخاطب إذ لا فائدة فيه بل استغراب وقوع مضمون وقوع الفعل المذكور بعد من المتكلم أو المخاطب ، فالجملة بعد اسم الإشارة لازمة لبيان الحال المستغربة ولا محل لها إذ هي مستأنفة ، وقال البصريون : هي في محل النصب على الحال أي ها أنت ذا قائلا ، والحال هاهنا لازمة لأن الفائدة معقودة بها وبها تتم ، والعامل فيها حرف التنبيه أو اسم الإشارة.
واعترضه الرضي بأنه لا معنى للحال إذ ليس المعنى أنت المشار إليه في حال فعلك ولا يخفى أن ما قاله البصريون هو الظاهر من كلام العرب لأنهم قالوا : ها أنت ذا قائما فصرحوا بالحالية وإن كان المعنى على الاخبار بالحال لأنه المقصود بالاستبعاد ، ومدلول الضمير واسم الإشارة متحد واعتبار معنى الإشارة لمجرد تصحيح العمل لا أن المعنى عليه ـ وبه يندفع بحث الرضي ـ على أنه قد أجيب عنه بغير ذلك ، وقال الزجاج : يجوز أن يكون (أُولاءِ) بمعنى الذين خبرا عن المبتدأ ، و (تُحِبُّونَهُمْ) في موضع الصلة وليس بشيء ، وقيل : (أَنْتُمْ) مبتدأ أول و (أُولاءِ) مبتدأ ثان ، وتحبونهم خبر المبتدأ الثاني ، والجملة خبر المبتدأ الأول على حد أنت زيد تحبه ، وقيل : إن (أُولاءِ) هو الخبر ، والجملة ما بعده خبر ثان ، وقيل : (أُولاءِ) في محل نصب بفعل يفسره ما بعده ، والجملة خبر المبتدأ والإشارة للتحقير فاستعملت هنا للتوبيخ كأنه ازدرى بهم لظهور خطئهم في ذلك الاتخاذ.
والمراد بمحبة المؤمنين لهم المحبة العادية الناشئة من نحو الإحسان والصداقة ، ومثلها ـ وإن كان غريب يلام عليه إذا وقع من المؤمنين في حق أعداء الدين الذين يتربصون بهم ريب المنون لكن لا يصل إلى الكفر وإنما لم يصل إليه باعتبار آخر لا يكاد يقع من أولئك المخاطبين ، وقيل. المراد (تُحِبُّونَهُمْ) لأنكم تريدون الإسلام لهم وتدعونهم إلى الجنة ولا يحبونكم لأنهم يريدون لكم الكفر والضلال وفي ذلك الهلاك ، ولا يخفى ما فيه.
(وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) أي الجنس كله وجعل ذلك من قبيل أنت الرجل أي الكامل في الرجولية ويكون الكتاب حينئذ إشارة إلى القرآن تعسف ، والجملة حال من ضمير المفعول في (لا يُحِبُّونَكُمْ) واعترضه في البحر بأن المضارع المثبت إذا وقع حالا لا تدخل عليه واو الحال ولهذا تأولوا ـ قمت وأصك عينيه ـ على حذف المبتدأ أي قمت وأنا أصك عينيه ، ومثل هذا التأويل وإن جاء هنا أي ولا يحبونكم وأنتم تؤمنون بالكتاب كله إلا أن العطف على تحبونهم أولى لسلامته من الحذف ، وفيه أن الكلام في معرض التخطئة ولا كذلك الإيمان بالكتاب كله فإنه محض الصواب ، والحمل ـ على أنكم تؤمنون بالكتاب كله وهم لا يؤمنون بشيء منه لأن إيمانهم كلا إيمان فلا يجامع المحبة ـ سديد كما قال العلامة الثاني في تقرير الحالية دون العطف ، وبهذا يندفع ما في البحر من الاعتذار والمعنى يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا) نفاقا (وَإِذا خَلَوْا) أي خلا بعضهم ببعض (عَضُّوا عَلَيْكُمُ) أي لأجلكم (الْأَنامِلَ) أي أطراف الأصابع (مِنَ الْغَيْظِ) أي لأجل الغضب والحنق لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم ونصرة الله تعالى إياهم بحيث عجز أعداؤهم عن أن يجدوا سبيلا إلى التشفي واضطروا إلى مداراتهم وعض الأنامل عادة النادم الأسيف العاجز ، ولهذا أشير به إلى حال هؤلاء وليس المراد أن هناك عضا بالفعل (قُلْ) يا محمد بلسانك ، وقيل : المراد حدث نفسك بإذلالهم وإعزاز