وما المرء ما دامت خشاشة نفسه |
|
بمدرك أطراف الخطوب ولا «آلى» |
أراد ولا مقصر في الطلب وهو لازم يتعدى إلى المفعول بالحرف ، وقد يستعمل متعديا إلى مفعولين في قولهم : لا آلوك نصحا ولا آلوك جهدا على تضمين معنى المنع أي لا أمنعك ذلك وقد يجعل بمنع الترك فيتعدى إلى واحد ، وفي القاموس ما ألوت الشيء أي ما تركته ، والخبال في الأصل الفساد الذي يلحق الإنسان فيورثه اضطرابا كالمرض والجنون ، ويستعمل بمعنى الشر والفساد مطلقا ، ومعنى الآية على الأول لا يقصرون لكم في الفساد والشر بل يجهدون في مضرتكم ، وعليه يكون الضمير المنصوب والاسم الظاهر منصوبين بنزع الخافض وإليه ذهب ابن عطية ـ وجوز أن يكون الثاني منصوبا على الحال أي مخبلين ، أو على التمييز.
واعترض ذلك بأنه لا إبهام في نسبة التقصير إلى الفاعل ولا يصح جعله فاعلا إلا على اعتبار الإسناد المجازي والنصب بنزع الخافض ، ووقوع المصدر حالا ليس بقياس إلا فيما يكون المصدر نوعا من العامل نحو أتاني سرعة وبطأ كما نص عليه الرضي في بحث المفعول به والحال ـ واعتمده الساليكوتي ـ ونقل أبو حيان أن التمييز هنا محول عن المفعول نحو (فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢] وهو من الغرابة بمكان لأن المفروض أن الفعل لازم فمن أين يكون له مفعول ليحول عنه؟! وملاحظة تعديه إليه بتقدير الحرف قول بالنصب على نزع الخافض وقد سمعت ما فيه.
وأجيب بالتزام أحد الأمرين الحالية أو كونه منصوبا على النزع مع القول بالسماع هنا والمعنى على الثاني لا يمنعونكم خبالا أي أنهم يفعلون معكم ما يقدرون عليه من الفساد ولا يبقون عندهم شيئا منه في حقكم وهو وجه وجيه ، والتضمين قياسي على الصحيح والخلاف فيه واه لا يلتفت إليه ، والمعنى والإعراب على الثالث ظاهران بعد الإحاطة بما تقدم (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) أي أحبوا عنتكم أي مشقتكم الشديدة وضرركم.
وقال السدي : تمنوا ضلالتكم عن دينكم ، وروي مثله عن ابن جرير (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) أي ظهرت أمارات العداوة لكم من فلتات ألسنتهم وفحوى كلماتهم لأنهم لشدة بغضهم لكم لا يملكون أنفسهم ولا يقدرون أن يحفظوا ألسنتهم ، وقال قتادة : ظهور ذلك فيما بينهم حيث أبدى كل منهم ما يدل على بغضه للمسلمين لأخيه ، وفيه بعد إذ لا يناسبه ما بعد ، والأفواه جمع فم وأصله فوه ، فلامه هاء والجموع ترد الأشياء إلى أصولها ويدل على ذلك أيضا تصغيره على فويه والنسبة إليه فوهيّ ، وقرأ عبد الله قد بدا البغضاء (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ) من البغضاء (أَكْبَرُ) أي أعظم مما بدا لأنه كان عن فلتة ومثله لا يكون إلا قليلا (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) أي أظهرنا لكم الآيات الدالة على النهي عن موالاة أعداء الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ، أو قد أظهرنا لكم الدلالات الواضحات التي يتميز بها الولي من العدو (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) أي إن كنتم من أهل العقل ، أو إن كنتم تعلمون الفضل بين الولي والعدو ، أو إن كنتم تعلمون مواعظ الله تعالى ومنافعها ، وجواب إن محذوف لدلالة الكلام عليه ، ثم إن هذه الجمل ما عدا (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) لأنها حال لا غير جاءت مستأنفات جوابا عن السؤال عن النهي وترك العطف بينها إيذانا باستقلال كل منها في ذلك ، وقيل : إنها في موضع النعت ـ لبطانة ـ إلا (قَدْ بَيَّنَّا) لظهور أنها لا تصلح لذلك ، والأول أحسن لما في الاستئناف من الفوائد وفي الصفات من الدلالة على خلاف المقصود أو إيهامه لا أقل وهو تقييد النهي وليس المعنى عليه ، وقيل : إن (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) بيان وتأكيد لقوله : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) فحكمه حكمه وما عدا ذلك مستأنف للتعليل على طريق الترتيب بأن يكون اللاحق علة للسابق إلى أن تكون الأولى علة للنهي ويتم التعليل بالمجموع أي لا تتخذوهم بطانة لأنهم لا يألونكم خبالا لأنهم يودّون شدة ضرركم بدليل أنهم قد تبدو البغضاء من أفواههم وإن كانوا يخفون الكثير ولا بد على هذا من استثناء (قَدْ بَيَّنَّا) إذ لا يصلح تعليلا لبدو البغضاء