(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) واحتجبوا عن الحق برؤية الأغيار (أَشْرَكُوا بِاللهِ) تعالى ما لا وجود له في عير ولا نفير (لَنْ تُغْنِيَ) لن تدفع (عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) أي عذابه (شَيْئاً) من الدفاع لأنها من جملة أصنامهم التي عبدوا (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) وهي الحجاب والبعد عن الحضرة (هُمْ فِيها خالِدُونَ) لاقتضاء صفة الجلال مع استعدادهم ذلك (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) الفانية الدنية ولذاتها السريعة الزوال طلبا للشهوات ومحمدة الناس لا يطلبون به وجه الله تعالى (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) أي برد شديد (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالشرك والكفر (فَأَهْلَكَتْهُ) عقوبة لهم من الله تعالى لظلمهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بإهلاك حرثهم (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) لسوء استعدادهم الغير المقبول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) أي خاصة تطلعونه على أسراركم (مِنْ دُونِكُمْ) كالمنكرين المحجوبين إذ المحبة الحقيقية لا تكون إلا بين الموحدين لكونها ظل الوحدة ولا تكون بين المحجوبين لكونهم في عالم التضاد والظلمة ولا يتأتى الصفاء والوفاق الذي هو ثمرة المحبة في ذلك العالم فلذا ترى محبة غير أهل الله تعالى تدور على الأغراض ؛ ومن هنا تتغير لأن اللذات النفسانية لا تدوم فإذا كان هذا حال المحجوبين بعضهم مع بعض فكيف تتحقق المحبة بينهم وبين من يخالفهم في الأصل والوصف ، وأنى يتجانس النور والظلمة ، وكيف يتوافق مشرق ومغرب؟!
أيها المنكح الثريا سهيلا |
|
عمرك الله كيف يلتقيان |
هي شامية إذا ما استقلت |
|
وسهيل إذا استقل يماني |
ففي الحقيقة بينهما عداوة حقيقية وبعد كلي إلى حيث لا تتراءى ناراهما ، وآثار ذلك ظاهرة كما بين الله تعالى بقوله سبحانه : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) لامتناع إخفاء الوصف الذاتي (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) لأنه المنشأ لذلك فهو نار وذاك شرار وهو جبل والظاهر غبار (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) وهي العلامات الدالة على المحبة والعداوة وأسبابهما (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) وتفهمون من فحوى الكلام (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) بمقتضى ما عندكم من التوحيد لأن الموحد يحب الناس كلهم بالحق للحق ويرى الكل مظهرا لحبيبه جل شأنه فيرحم الجميع ويعلم أن البعض منهم قد اشتغل بباطل نظرا إلى بعض الحيثيات وابتلي بالقدر ، وهذا لا ينافي ما قدمنا آنفا عند التأمل (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) بمقتضى الحجاب والظلمة التي ضربت عليهم (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ) أي جنسه (كُلِّهِ) لما أنتم عليه من التوحيد المقتضي لذلك (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بذلك للاحتجاب بما هم عليه (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا) لما فيهم من النفاق المستجلب للأغراض العاجلة (وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) الكامن في صدورهم (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ) كآثار تجلي الجمال (تَسُؤْهُمْ) ويحزنوا لها (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) أي ما يظنون أنه سيئة كآثار تجلي الجلال (يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا) على ما ابتليتم به وتثبتوا على التوحيد (وَتَتَّقُوا) الاستعانة بالسوى (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) لأن الصابر على البلاء المتوكل على الله تعالى المستعين به المعرض عمن سواه ظافر بطلبته غالب على خصمه محفوف محفوظ بعناية الله تعالى ، والمخذول من استعان بغيره وقصده سواه كما قيل :
من استعان بغير الله في طلب |
|
فإن (ناصره عجز وخذلان) |
(إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) من المكايد (مُحِيطٌ) فيبطلها ويطفئ نارها (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) لله تعالى تحت ظل الكبرياء والعظمة (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ذلك وبالشكر تزاد النعم (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) لما رأيت من حالهم (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) على صيغة اسم الفاعل السكينة عليكم ، أو (مُنْزَلِينَ) على صيغة اسم المفعول من جانب الملكوت إليكم (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا) على صدمات تجليه سبحانه