(وَتَتَّقُوا) من سواه (وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) أي بلا بطء (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) على صيغة الفاعل أي معلمين أرواحكم بعلائم الطمأنينة ، أو (مُسَوِّمِينَ) على صيغة المفعول بعمائم بيض ، وهي إشارة إلى الأنوار الإلهية الظاهرة عليهم ، وتخصيص ـ الخمسة آلاف ـ بالذكر لعله إشارة إلى إمداد كل لطيفة من اللطائف الخمس بألف والألف إشارة إلى الإمداد الكامل حيث إنها نهاية مراتب الأعداد وشرط ذلك بالصبر والتقوى لأن النصر على الأعداء ـ وأعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ـ لا يكون إلا عند تقوى القلب وكذا سائر جنود الروح بل والروح نفسها أيضا بتأييد الحق والتنور بنور اليقين فتحصل المناسبة بين القلب مثلا وبين ملكوت السماء وبذلك التناسب يستنزل قواها وأوصافها في أفعاله وربما يستمد من قوى قهرها على من يغضب عليه وذلك عبارة عن نزول الملائكة وهذا لا يكون إلا بالصبر على تحمل المكروه طلبا لرضا الله تعالى والتقوى من مخالفة أمر الحق والميل إلى نحو النفع الدنيوي واللذات الفانية.
وأما إذا جزع وهلع ومال إلى الدنيا فلا يحصل له ذلك لأن النفس حينئذ تستولي عليه وتحجبه بظلمة صفاتها عن النور فلم تبق تلك المناسبة وانقطع المدد ولم تنزل الملائكة ، (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) أي إلا لتستبشروا به فيزداد نشاطكم في التوجه إلى الحق (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) فيتحقق الفيض بقدر التصفية (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا من عند الملائكة فلا تحتجبوا بالكثرة عن الوحدة وبالحق عن الحق فالكل منه تعالى وإليه (الْعَزِيزِ) فلا يعجزه الظهور بما شاء وكيف شاء (الْحَكِيمِ) الذي ستر نصره بصور الملائكة لحكمة (لِيَقْطَعَ) أي يهلك (طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم أعداء الله تعالى (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) يخزيهم ويذلهم (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) فيرجعوا غير ظافرين بما أملوا (لَيْسَ لَكَ) من حيث أنت (مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وكله لك من حيثية أخرى (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إذا أسلموا فتفرح لأنك المظهر للرحمة الواسعة (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) لأجلك فتشتفي بهم من حيث أنهم خالفوا الأمر الذي بعثت به إلى الناس كافة فإنهم ظالمون بتلك المخالفة (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) من عالم الأرواح (وَما فِي الْأَرْضِ) من عالم الطبيعيات يتصرف فيهما كيفما يشاء ويختار (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) لأن له التصرف المطلق في الملك والملكوت (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) كثير المغفرة والرحمة نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ويرحمنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) ابتداء كلام مشتمل على أمر ونهي وترغيب وترهيب تتميما لما سلف من الإرشاد إلى ما هو الأصلح في أمر الدين وفي باب الجهاد ، ولعل إيراد النهي عن الربا بخصوصه هنا لما أن الترغيب في الإنفاق في السراء والضراء الذي عمدته الإنفاق في سبيل الجهاد متضمن للترغيب في تحصيل المال فكان مظنة مبادرة الناس إلى طرق الاكتساب ومن جملتها بل أسهلها الربا فنهوا عنه ، وقدمه على الأمر اعتناء به وليجيء ذلك الأمر بعد سدّ ما يخدشه ، وقال القفال : يحتمل أن يكون هذا الكلام متصلا بما قبله من جهة أن أكثر أموال المشركين قد اجتمعت من الربا وكانوا ينفقون تلك الأموال على العساكر وكان من الممكن أن يصير ذلك داعيا للمسلمين إلى الاقدام عليه كي يجمعوا الأموال وينفقوها على العساكر أيضا ويتمكنوا من الانتقام من عدوهم ، فورد النهي عن ذلك رحمة عليهم ولطفا بهم ، وقيل : إنه تعالى شأنه لما ذكر أن له التعذيب لمن يشاء والمغفرة لمن يشاء وصل ذلك بالنهي عما لو فعلوه لاستحقوا عليه العقاب ـ وهو الربا ـ وخصه بالنهي لأنه كان شائعا إذ ذاك وللاعتناء بذلك لم يكتف بما دل على تحريمه مما في سورة البقرة بل صرح بالنهي وساق الكلام له أولا وبالذات إيذانا بشدة الحظر.
والمراد من الأكل الأخذ ، وعبر به عنه لما أنه معظم ما يقصد به ولشيوعه في المأكولات مع ما فيه من زيادة