ينحط الاعتقاد الصحيح عن العلم ، وأجيب بأن هذا مبني على تفسير العلم بأنه صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض بوجه ـ على ما ذكره ابن الحاجب في مختصره ـ وقد قيل عليه ما قيل فتدبر ، واللام في (لِيَطْمَئِنَ) لام كي والفعل منصوب بعدها بإضمار أن ، وليس بمبني كما ـ زلق السمين ـ ومتعلق اللام محذوف كما أشرنا حذف ـ ما ـ منه الاستدراك وقيل المتعلق (أَرِنِي) ولا أراه شيئا ، والماضي للفعل ـ اطمأن على وزن اقشعر ، واختلف هل هو مقلوب أم لا؟ فمذهب سيبويه أنه مقلوب من ـ اطأمن ـ فالطاء فاء الكلمة. والهمزة عينها. والميم لامها فقدمت اللام التي هي الميم على العين وهي الهمزة فوزنه افلعل ، ومذهب الجرمي أنه غير مقلوب وكأنه يقول ـ اطأمن واطمأن ـ مادتان مستقلتان ومصدره الطمأنينة بسكون الميم وفتح الهمزة ، وقيل : طمأنينة بتخفيف الهمزة وهو قياس مطرف عند الكوفيين وهو على غير قياس المصادر عند الجميع إذ قياس اطمأن أن يكون مصدره على الاطمئنان ، وقرئ ـ أرني ـ بسكون الراء (قالَ) أي الرب (فَخُذْ) الفاء لجواب شرط محذوف أي إن أردت ذلك فخذ.
(أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) المشهور أنه اسم جمع كركب وسفر ، وقيل : بل هو جمع طائر كتاجر وتجر ـ وإليه ذهب أبو الحسن ـ وقيل : بل هو مخفف من طير بالتشديد ، وقال أبو البقاء : هو في الأصل مصدر طار يطير ثم سمي به هذا الجنس وألحقت التاء في عدده لاعتباره مذكرا واسم الجنس لما لا يعقل يذكر ويؤنث والجار متعلق بمحذوف وقع صفة لما قبله أو متعلق ـ بخذ ـ والمروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها الغرنوق ، والطاوس ، والديك ، والحمامة ، وعن مجاهد بدل الغرنوق الغراب ، وفي رواية بدل الحمامة بطة ، وفي رواية نسر ، وتخصيص الطير بذلك لأنه أقرب إلى الإنسان باعتبار طلبه المعاش والمسكن ولذلك وقع في الحديث «لو توكلتم على الله تعالى حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» ولأنه أجمع لخواص الحيوان ولسهولة تأتي ما يفعل به من التجزئة والتفرقة ولما فيه من مزيد أجزاء من الريش ففي إحيائها من يد ظهور القدرة ولأن من صفته الطيران في السماء وكان من همة إبراهيم عليه الصلاة والسلام الميل إلى جهة العلو والوصول إلى الملكوت فكانت معجزته مشاكلة لهمته (فَصُرْهُنَ) قرأ حمزة ويعقوب بكسر الصاد ، والباقون بضمها مع التخفيف من ـ صاره يصوره ويصيره ـ لغتان بمعنى قطعه أو أماله لأنه مشترك بينهما كما ذكره أبو علي ، وقال الفراء : الضم مشترك بين المعنيين ، والكسر بمعنى القطع فقط ، وقيل : الكسر بمعنى القطع ، والضم بمعنى الإمالة ، وعن الفراء إن صاره مقلوب صراه عن كذا قطعة ، والصحيح أنه عربي ، وعن عكرمة أن نبطي ، وعن قتادة أنه حبشي ، وعن وهب أنه رومي ، فإن كان المراد ـ أملهن ـ فقوله تعالى : (إِلَيْكَ) متعلق به وإن كان المراد ـ فقطعهن ـ فهو متعلق ـ بخذ ـ باعتبار تضمينه معنى الضم ، واختار أبو البقاء أن يكون حالا من المفعول المضمر أي ـ فقطعهن مقربة ممالة ـ إليك ـ وزعم ابن هشام ـ تبعا لغيره ـ أنه لا يصح تعليق الجار ـ بصرهن ـ مطلقا إن لم يقدر مضاف أي إلى نفسك محتجا بأنه لا يتعدى فعل غير علمي عامل في ضمير متصل إلى المنفصل ، ورد بأنه إنما يمنع إذا كان متعديا بنفسه أما المتعدي بحرف فهو جائز كما صرح به علماء العربية ، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ـ «فصرّهن» ـ بتشديد الراء مع ضم الصاد وكسرها من صره إذا جمعه ، والراء إما مضمومة للاتباع أو مفتوحة للتخفيف ، أو مكسورة لالتقاء الساكنين ، وعنه أيضا ـ «فصرّهن» ـ من التصرية بفتح الصاد وكسر الراء المشددة وأصلها تصررة فأبدل أحد أحرف التضعيف ياء وهي في الأصل من صريت الشاة إذا لم تحلبها أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها ثم استعمل في مجرد معنى الجمع ـ أي اجمعهن وضمهن إليك لتتأملها وتعرف شأنها مفصلة حتى تعلم بعد الإحياء أن جزءا من أجزائها لم ينتقل من موضعه الأول أصلا.
(ثُمَّ اجْعَلْ) أي ألق ، أو صير بعد ذبحهن وخلط لحومهن وريشهن ودمائهن كما قاله قتادة.