(عَلى كُلِّ جَبَلٍ) يمكنك الوضع عليه ولم يعين له ذلك ـ كما روي عن مجاهد. والضحاك ـ وروي عن ابن عباس والحسن ، وقتادة أن الجبال كانت أربعة ، وعن ابن جريج. والسدي أنها كانت سبعة ، وعن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أنها كانت عشرة (مِنْهُنَ) أي من تلك الطير (جُزْءاً) أي قطعة ، وبعضا ربعا ، أو سبعا ، أو عشرا ، أو غير ذلك ، وقرئ «جزوءا» بضمتين «وجزا» بطرح همزته تخفيفا ثم تشديده عند الوقف ثم إجراء الوصل مجرى الوقف وهو مفعول ـ لا جعل ـ والجاران قبله متعلقان بالفعل ، ويجوز أن يكون على كل مفعولا ثانيا له إن كان بمعنى صير ، و (مِنْهُنَ) حال من (جُزْءاً) لأنه في الأصل صفة للنكرة قدمت عليها (ثُمَّ ادْعُهُنَ) أي نادهنّ ، أخرج ابن المنذر عن الحسن قال : إنه عليه الصلاة والسلام نادى أيتها العظام المتمزقة واللحوم المتفرقة والعروق المتقطعة اجتمعي يرد الله تعالى فيكن أرواحكن فوثب العظم إلى العظم وطارت الريشة إلى الريشة وجرى الدم إلى الدم حتى رجع إلى كل طائر دمه ولحمه وريشه ثم أوحى الله تعالى إلى إبراهيم إنك سألتني كيف أحيي الموتى وأني خلقت الأرض وجعلت فيها أربعة أرواح الشمال. والصبا. والجنوب. والدبور حتى إذا كان يوم القيامة نفخ نافخ في الصور فيجتمع من في الأرض من القتلى والموتى كما اجتمعت أربعة أطيار من أربعة جبال ثم قرأ (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان : ٢٨] وعن مجاهد أنه دعاهن باسم إله إبراهيم تعالين ، واستشكل بأن دعاء الجماد غير معقول ، وأجيب بأنه من قبيل دعاء التكوين ، وقيل : في الآية حذف كأنه قيل : فقطعهن ثم اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا فإن الله تعالى يحييهن فإذا أحياهن فادعهن.
(يَأْتِينَكَ سَعْياً) فالدعاء إنما وقع بعد الإحياء. ولا يخفى أن الآثار مع ما فيه من التكلف لا تساعده ، وأعظم منه فسادا ما قيل : إنه عليه الصلاة والسلام جعل على كل جبل منهن طيرا حيا ثم دعاها فجاءت فإن ذلك مما يبطل فائدة الطلب ويعارض الأخبار الصحيحة فإن أكثرها ناطق بأنه دعاها ميتة متفرقة الأجزاء ، وفي بعضها أن رءوسهن كانت بيده فلما دعاهن جعل كل جزء منهن يأتي إلى صاحبه حتى صارت جثثا ثم أقبلن إلى رءوسهن فانضمت كل جثة إلى رأسها فعادت كل واحدة منهن إلى ما كانت عليه من الهيئة ، وسعيا حال من فاعل ـ يأتينك ـ أي ساعيات مسرعات ، أو ذوات سعي طيرانا أو مشيا ، وقيل : إطلاق السعي على الطيران مجاز ، وجوز أن يكون منصوبا على المصدرية كقعدت جلوسا ، ومن الغريب ما نقل عن النضر بن شميل. قال : سألت الخليل بن أحمد عن قوله تعالى : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) هل يقال الطائر إذا طار سعى؟ فقال : لا قلت : فما معناه؟ قال : معناه (يَأْتِينَكَ) وأنت تسعى سعيا ـ وهو من التكلف الغير المحتاج إليه بمكان ـ وإنما اقتصر سبحانه على حكاية أوامره جل شأنه من غير تعرض لامتثال خليله عليه الصلاة والسلام ، ولا لما ترتب عليه من آثار قدرته التي علمت النزر منها للايذان بأن ترتب تلك الأمور على الأوامر الجليلة واستحالة تخلفها عنها من الجلاء والظهور بحيث لا حاجة له إلى الذكر أصلا ، وزعم بعضهم أن الخليل عليه الصلاة والسلام لم يفعل شيئا مما اقتضاه ظاهر الكلام وأن الأوامر فيه مثلها في قولك لمن لا يعرف تركيب الحبر مثلا : خذ كذا وكذا وأمكنهما سحقا وألق عليهما كذا وكذا وضع ذلك في الشمس مدة أيام ثم استعمله تجده حبرا جيدا فأنا لا يقتضي الامتثال إذا كان الغرض مجرد تعليم ، و ـ الرؤية ـ هنا علمية كما نقل عن شرح التوضيح ، وإبراهيم حصل له العلم التام بمجرد وصف الكيفية واطمأن قلبه وسكن لبه ، ولهذا لم يذكر الله تعالى ما ترتب على هذه الأوامر من هاتيك الأمور ولم يتعرض للامتثال ولم يعبأ بالإيماء إليه ـ بقال ـ أو حال ـ ومال إلى هذا القول أبو مسلم فأنكر القصة أيضا ، وقال : إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما طلب إحياء الموتى من ربه سبحانه وأراه مثالا محسوسا قرب الأمر عليه ، والمراد ـ بصرهن ـ أملهن ومرنهنّ على الإجابة ـ أي عود الطيور الأربعة بحيث إذا دعوتها أجابتك حال الحياة ـ