وابن عامر والكسائي «الرعب» بضم العين وهي لغة فيه ، وقيل : الضم هو الأصل والسكون للتخفيف ، وقيل: الأصل السكون والضم للاتباع.
(بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) أي بسبب إشراكهم بالذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال ولإشعار هذا الاسم بالعظمة المنافية للشركة أتي به ، والجار الأول متعلق ، ب (سَنُلْقِي) دون (الرُّعْبَ) ولا يمنع من ذلك تعلق (فِي) به لاختلاف المعنى ، والثاني متعلق بما عنده وكان الإشراك سببا لإلقاء الرعب لأنه من موجبات خذلانهم ونصر المؤمنين عليهم وكلاهما من دواعي الرعب (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ) أي بإشراكه ، وقيل : بعبادته ، و (ما) نكرة موصوفة أو موصولة اسمية وليست مصدرية (سُلْطاناً) أي حجة ، والإتيان بها للإشارة بأن المتبع في باب التوحيد هو البرهان السماوي دون الآراء والأهواء الباطلة ، وسميت بذلك لأنه بها يتقوى على الخصم ويتسلط عليه ، والنون زائدة ، وقيل : أصلية ، وذكر عدم إنزال الحجة مع استحالة تحققها من باب انتفاء المقيد لانتفاء قيده اللازم أي لا حجة حتى ينزلها ، فهو على حد قوله في وصف مفازة :
لا يفزع الأرنب أهوالها |
|
ولا ترى الضب بها ينجحر |
إذ المراد لا ضب بها حتى ينجحر فالمراد نفيهما جميعا وهذا كقولهم : السالبة لا تقتضي وجود الموضوع ، وما ذكرنا من استحالة تحقق الحجة على الإشراك يكاد يكون معلوما من الدين بالضرورة أما في الإشراك بالربوبية فظاهر إذ كيف يأمر الله سبحانه باعتقاد أن خالق العالم اثنان مشتركان في وجوب الوجود والاتصاف بكل كمال ، وأما الإشراك في الألوهية الذي عليه أكثر المشركين في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلأنه يفضي إلى الأمر باعتقاد أشياء خلاف الواقع مما كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وقد رده عليهم ، فقول عصام الملة : ونحن نقول الحجة على الإشراك تحت قدرته تعالى لو شاء أنزلها إذ لو أمر بإشراك الأصنام به في العبادة لوجبت العبادة لا أراه إلا حلا لعصام الدين لأن لا إله إلا الله المخاطب بها الثنوية والوثنية تأبى إمكان ذلك كما لا يخفى على من اطلع على معنى هذه الكلمة الطيبة رزقنا الله تعالى الموت عليها ولا جعلنا ممن أشركوا بالله تعالى ما لم ينزل به سلطانا (وَمَأْواهُمُ) أي ما يأوون إليه في الآخرة (النَّارُ) لا مأوى لهم غيرها.
(وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) أي مثواهم وإنما وضع الظاهر موضع الضمير للتغليظ والتعليل والإشعار بأنهم في إشراكهم ظالمون واضعون للشيء في غير موضعه ، والمثوى مكان الإقامة على وزن مفعل من ثويت ولامه ياء والمخصوص بالذم محذوف أي بئس مثواهم النار ، ولم يعبر بالمأوى للإيذان بالخلود إذ الإقامة مأخوذة في المثوى دونه (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) أخرج الواحدي عن محمد بن كعب قال : لما رجع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ، وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد ، قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا قد وعدنا الله تعالى النصر؟ فأنزل الله تعالى الآية ، ووعده مفعول ثان لصدق صريحا فإنه يتعدى إلى مفعولين في مثل هذا النحو ، وقد يتعدى إلى الثاني بحرف الجر ، فيقال : صدقت زيدا في الحديث ، ومن هنا جوز بعضهم أن يكون نصبا بنزع الخافض ؛ والمراد بهذا الوعد ما وعدهم سبحانه من النصر بقوله عز اسمه : (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) [آل عمران : ١٢٠ ، ١٢٥ ، ١٨٦] إلخ وعلى لسان نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قال للرماة : «لا تبرحوا مكانكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم».
وفي رواية أخرى «لا تبرحوا عن هذا المكان فإنا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان» وأيد الأول بما أخرجه البيهقي في الدلائل عن عروة قال : كان الله تعالى وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين وكان قد فعل فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم وتركت الرماة عهد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم