إليهم أن لا يبرحوا منازلهم وأرادوا الدنيا رفع الله تعالى مدد الملائكة ، واختار مولانا شيخ الإسلام الثاني ، وقد تقدم لك ما ينفعك هنا.
والقول بأن المراد ما وعده جل شأنه بقوله سبحانه : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) ليس بشيء كما لا يخفى ، وأخرج الإمام أحمد وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما نصر الله تعالى نبيه في موطن كما نصره يوم أحد فأنكروا ذلك ، فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله تعالى إن الله تعالى يقول يوم أحد : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) أي تقتلونهم وهو التفسير المأثور ، واستشهد عليه الخبر بقول عتبة الليثي :
«نحسهم» بالبيض حتى كأننا |
|
نفلق منهم بالجماجم حنظلا |
وبقوله :
ومنا الذي لاقى بسيف محمد |
|
«فحس» به الأعداء عرض العساكر |
وأصل معنى حسه أصاب حاسته بآفة فأبطلها مثل كبده ولذا عبر به عن القتل ، ومنه جراد محسوس وهو الذي قتله البرد ، وقيل : هو الذي مسته النار ، وكثيرا ما يستعمل الحس بالقتل على سبيل الاستئصال ، والظرف متعلق ب (صَدَقَكُمُ) وجوز أبو البقاء أن يكون ظرفا للوعد (بِإِذْنِهِ) أي بتيسيره وتوفيقه ، والتقييد به لتحقيق أن قتلهم بما وعدهم الله تعالى من النصر (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) أي فزعتم وجبنتم عن عدوكم (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أي أمر الحرب أو أمره صلىاللهعليهوسلم لكم في سدّ ذلك الثغر على ما تقدم تفسيره (وَعَصَيْتُمْ) إذ لم تثبتوا هناك وملتم إلى الغنيمة (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) من انهزام المشركين وغلبتكم عليهم.
قال مجاهد : نصر الله تعالى المؤمنين على المشركين حتى ركب نساء المشركين على كل صعب وزلول ثم أديل عليهم المشركون بمعصيتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وروي أن خالد بن الوليد أقبل بخيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الزبير رضي الله تعالى عنه أن احمل عليه فحمل عليه فهزمه ومن معه فلما رأى الرماة ذلك انكفئوا إلا قليلا ودخلوا العسكر وخالفوا الأمر وأخلوا الخلة التي كانوا فيها فدخلت خيول المشركين من ذلك الموضع على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين أناس كثير بسبب ذلك (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) وهم الرماة الذين طمعوا في النهب وفارقوا المركز له (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) كعبد الله ابن جبير أمير الرماة ومن ثبت معه ممتثلا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى استشهد (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) أي كفكم عنهم حتى تحولت الحال من الغلبة إلى ضدها (لِيَبْتَلِيَكُمْ) أي ليعاملكم معاملة من يمتحن ليبين أمركم وثباتكم على الإيمان ففي الكلام استعارة تمثيلية ، وإلا فالامتحان محال على الله تعالى ، وفي ـ حتى ـ هنا قولان : أحدهما أنها حرف جر بمنزلة إلى ومتعلقها (تَحُسُّونَهُمْ) أو (صَدَقَكُمُ) أو محذوف تقديره دام لكم ذلك ، وثانيهما أنها حرف ابتداء دخلت على الجملة الشرطية من إذا وما بعدها وجواب (إِذا) قيل : (تَنازَعْتُمْ) ، والواو زائدة واختاره الفراء ، وقيل : (صَرَفَكُمْ) و (ثُمَ) زائدة وهو ضعيف جدا والصحيح أنه محذوف وعليه البصريون ، وقدره أبو البقاء : بأن أمركم ، وأبو حيان : انقسمتم إلى قسمين بدليل ما بعده ، والزمخشري : منعكم نصره ، وابن عطية : انهزمتم ، ولكل وجهة ، وبعض المتأخرين امتحنكم ، وردّ بجعل الابتداء غاية للصرف المترتب على منع النصر ، وعلى كل تقدير يكون (صَرَفَكُمْ) معطوفا على ذلك المحذوف ، وقيل : إن (إِذا) اسم كما في قولهم : إذا يقوم زيد إذا يقوم عمرو ؛ و (حَتَّى) حرف جر بمعنى إلى متعلقة ب (صَدَقَكُمُ) باعتبار تضمنه معنى النصر كأنه قيل : لقد نصركم الله تعالى إلى وقت فشلكم