تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وقيل : متعلق بمحذوف وقع حالا من الخبيث ، والضمير راجع إلى المال الذي في ضمن القسمين ، أو لما أخرجنا وتخصيصه بذلك لأن الرداءة فيه أكثروا كذا الحرمة لتفاوت أصنافه ومجالبه ، و (تُنْفِقُونَ) حال من الفاعل المذكور ـ أي ولا تقصدوا الخبيث كائنا من المال ـ أو مما أخرجنا لكم منفقين إياه وقوله تعالى : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) حال على كل حال من ضمير (تُنْفِقُونَ) أي ـ والحال أنكم لستم بآخذيه في وقت من الأوقات ـ أو بوجه من الوجوه (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) إلا وقت إغماضكم أو إلا بإغماضكم فيه والإغماض كالغمض إطباق الجفن لما يعرض من النوم ، وقد استعير هنا ـ كما قال الراغب ـ للتغافل والتساهل ، وقيل : إنه كناية عن ذلك ولا يخلو عن تساهل وتغافل ، وذكر أبو البقاء أنه يستعمل متعديا ـ وهو الأكثر ـ ولازما مثل أغضى عن كذا ، والآية محتملة للأمرين ، وعلى الأول يكون المفعول محذوفا أي أبصاركم ، والجمهور على ضم التاء وإسكان العين وكسر الميم ، فقرأ الزهري ـ تغمضوا ـ بتشديد الميم وعنه أيضا ـ تغمضوا ـ بضم الميم وكسرها مع فتح التاء ، وقرأ قتادة ـ تغمضوا ـ على البناء للمفعول أي تحملوا على الإغماض أي توجدوا مغمضين وكلا المعنيين مما أثبته الحفاظ ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والمنسبك من (أَنْ) والفعل على كل تقدير في موضع الجر كما أشرنا إليه ، وجوز أبو البقاء أن يكون في موضع النصب على الحالية ، وسيبويه لا يجوز أن تقع (أَنْ) وما في حيزها حالا ، وزعم الفراء (أَنْ) هنا شرطية لأن معناه إن أغمضتم أخذتم ، وينبغي أن يغمض طرف القبول عنه ، ومن البعيد في الآية ما قيل : إن الكلام تم عند قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) ثم استؤنف فقيل على طريقة التوبيخ والتقريع : (مِنْهُ تُنْفِقُونَ) والحال ـ أنكم لا تأخذونه إلا إن أغمضتم ـ فيه ومآله الاستفهام الإنكاري فكأنه قيل : أمنه تنفقون إلخ ، وهو على بعده خلاف التفاسير المأثورة عن السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن نفقاتكم وإنما أمركم بها لانتفاعكم ، وفي الأمر بأن يعلموا ذلك مع ظهورعلمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذان بأن ذلك من آثار الجهل بشأنه عن شأنه (حَمِيدٌ) أي مستحق للحمد على نعمه ، ومن جملة الحمد اللائق بجلاله تحري إنفاق الطيب مما أنعم به ، وقيل: حامد بقبول الجيد والإثابة عليه ، واحتج بالآية على وجوب زكاة قليل ما تخرجه الأرض وكثيرة حتى البقل ، واستدل بها على أن من زرع في أرض اكتراها فالزكاة عليه لا على رب الأرض لأن أخرجنا لكم يقتضي كونه على الزارع وعلى أن صاحب الحق لا يجبر على أخذ المعيب بل له الرد وأخذ سليم بدله (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) استئناف لبيان سبب تيمم الخبيث في الإنفاق وتوهين شأنه والوعد في أصل وضعه لغة شائع في الخير والشر ، وأما في الاستعمال الشائع فالوعد في الخير والإيعاد في الشر حتى يحملوا خلافه على المجاز والتهكم ، وقد استعمل هنا في الشر نظرا إلى أصل الوضع لأن الفقر مما يراه الإنسان شرا ، ولهذا يخوف الشيطان به المتصدقين فيقول لهم : لا تنفقوا الجيد من أموالكم وأن عاقبة إنفاقكم أن تفتقروا ، وتسمية ذلك وعدا مع أنه اعتبر فيه الأخبار بما سيكون من جهة المخبر والشيطان لم يضف مجىء الفقر إلى جهته للإيذان بمبالغة اللعين في الأخبار بتحقق مجيئه كأنه نزله في تقرر الوقوع منزلة أفعاله الواقعة حسب إرادته ، ولوقوعه في مقابلة وعده تعالى على طريق المشاكلة ، ومن الناس من زعم أن استعمال الوعد هنا في الخير حسب الاستعمال الشائع ، والمراد أن ما يخوفكم به هو وعد الخبر لأن الفقر للإنفاق أجل خير ، ولا يخفى أنه بمراحل عن مذاق التنزيل ، وقرئ ـ الفقر ـ بالضم والسكون وبفتحتين وضمتين وكلها لغات في الفقر وأصله كسر فقار الظهر (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي الخصلة الفحشاء وهي البخل وترك الصدقات والعرب تسمي البخيل فاحشا قال كعب :