عليه» ثم قال : «وإن اليوم لكثير من تاب قبل موته بساعة تاب الله تعالى عليه» ثم قال «وإن الساعة لكثيرة من تاب قبل موته وقد بلغت نفسه هذه ـ وأهوى بيده الشريفة إلى حلقه ـ تاب الله تعالى عليه».
وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة قال : كنا عند أنس بن مالك وثمّ أبو قلابة فحدث أبو قلابة قال : إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة فأنظره إلى يوم الدين فقال وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح قال : وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح ، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال ـ القريب ـ ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت ، وروي مثله عن الضحاك ، وعن عكرمة الدنيا كلها قريب وعن الإمام القشيري ـ القريب ـ على لسان أهل العلم قبل الموت ، وعلى لسان أهل المعاملة قبل أن تعتاد النفس السوء ويصير لها كالطبيعة ، ولعل مرادهم أنه إذا كان كذلك يبعد عن القبول ، وإن لم يمتنع قبول توبته ، و (مِنْ) تبعيضية كأنه جعل ما بين وجود المعصية وحضور الموت زمانا قريبا ، ففي أي جزء من أجزاء هذا الزمان تاب فهو تائب في بعض أجزاء زمان قريب ، وجعلها بعضهم لابتداء الغاية ، ورجح الأول بأن (مِنْ) إذا كانت لابتداء الغاية لا تدخل على الزمان على القول المشهور ، والذي لابتدائيته مذ ومنذ ، وفي الإتيان بثم إيذان بسعة عفوه تعالى (فَأُولئِكَ) أي المتصفون بما ذكر وما فيه من معنى البعد باعتبار كونهم بانقضاء ذكرهم في حكم البعيد ، وجوز أن يكون ذلك إيذانا ببعد مرتبتهم ورفعة شأنهم من حيث إنهم تائبون ، والخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب ، والفاء للدلالة على السببية ، واسم الإشارة مبتدأ خبره قوله تعالى : (يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) وما فيه من تكرير الإسناد لتقوية الحكم ، وهذا وعد بالوفاء بما وعد به سبحانه أولا فلا تكرار ، وضمن (يَتُوبُ) معنى يعطف فلذا عدي بعلى.
وجوز أن يكون ذلك من المذهب الكلامي كأنه قيل : التوبة كالواجب على الله تعالى ، وكل ما هو كالواجب عليه تعالى كائن لا محالة فالتوبة أمر كائن لا محالة فالآية الأولى واقعة موقع الصغرى والكبرى مطوية ، والآية الثانية واقعة موقع النتيجة (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) فيعلم بإخلاص من يتوب (حَكِيماً) فلا يعاقب التائب ، والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها ، والإظهار في مقام الإضمار للإشعار بعلة الحكم (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ) على الله (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي المعاصي وجمعت باعتبار تكرر وقوعها في الزمان المديد لا لأن المراد بها جميع أنواعها وبما مر من (السُّوءَ) نوع منها (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) بأن شاهد الأحوال التي لا يمكن معها الرجوع إلى الدنيا بحال وعاين ملك الموت وانقطع حبل الرجاء (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) أي هذا الوقت الحاضر ، وذكر لمزيد تعيين الوقت ، وإيثار (قالَ) على تاب لإسقاط ذلك عن درجة الاعتبار والتحاشي عن تسميته توبة ، ولو أكده ورغب فيه ، ولعل ذلك كون تلك الحالة أشبه شيء بالآخرة بل هي أول منزل من منازلها ، والدنيا دار عمل ولا جزاء ، والآخرة دار جزاء ولا عمل ، و (حَتَّى) حرف ابتداء ، والجملة الشرطية بعدها غاية لما قبلها أي (لَيْسَتِ التَّوْبَةُ) لقوم يعملون السيئات إلى حضور موتهم ، وقولهم : كيت وكيت (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) عطف على الموصول قبله أي ليس قبول التوبة لهؤلاء ولا لهؤلاء ، والمراد من ذكر هؤلاء مع أنه لا توبة لهم رأسا المبالغة في عدم قبول توبة المسوفين والإيذان بأن وجودها كالعدم بل في تكرير حرف النفي في المعطوف كما قيل : إشعار خفي يكون حال المسوّفين في عدم استتباع الجدوى أقوى من حال الذين يموتون على الكفر. والكثير من أهل العلم على أن المراد ب (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ما يشمل الفسقة والكفرة ، ومن (الَّذِينَ يَمُوتُونَ) إلخ الكفار فقط ، وجوز أن يراد بالموصولين الكفار خاصة ، وأن يراد بهما الفسقة وحدهم ، وتسميتهم في الجملة الحالية كفارا للتغليظ ، وأن يراد بهما ما يعم الفريقين