الجاهلية في أمر اليتامى والأموال عقبه بالنهي عن الاستنان بنوع من سننهم في النساء أنفسهن أو أموالهن ؛ فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا مات وترك جارية ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها ، وفي رواية البخاري وأبي داود كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك ، وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : نزلت هذه الآية في كبيشة ابنة معن بن عاصم من الأوس كانت عند أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها فجنح عليها ابنه فجاءت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فنزلت ، وروي مثله عن أبي جعفر. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله فكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد فنهى الله تعالى المؤمنين عن ذلك.
وروي عن الزهري أنها نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له بها وينتظر موتها حتى يرثها ـ فالنساء ـ إما مفعول ثان ـ لترثوا ـ على أن يكنّ هنّ الموروثات ، (كَرْهاً) مصدر منصوب على أنه حال من (النِّساءَ) وقيل : من ضمير (تَرِثُوا) والمعنى لا يحل لكم أن تأخذوا نساء موتاكم بطريق الإرث على زعمكم كما حل لكم أخذ الأموال وهنّ كارهات لذلك أو مكرهات عليه ، أو أنتم مكروهون لهن ، وإما مفعول أول له ، والمعنى (لا يَحِلُّ لَكُمْ) أن تأخذوا من النساء المال بطريق الإرث (كَرْهاً) والمراد من ذلك أمر الزوج أن يطلق من كره صحبتها ولا يمسكها كرها حتى تموت فيرث منها مالها ، وقرأ حمزة والكسائي (كَرْهاً) بالضم في مواضعه ، ووافقهما عاصم وابن عامر ويعقوب في الأحقاف ، وقرأ الباقون بالفتح في جميع ذلك وهما بمعنى كالضعف والضعف ، وقيل : الكره بالضم الإكراه وبالفتح الكراهية ، وقرئ ـ لا تحل ـ بالتاء الفوقانية لأن (أَنْ تَرِثُوا) بمعنى الوراثة كما قرئ (لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣] لأنه بمعنى المقالة ، وهذا عكس تذكير المصدر المؤنث لتأويله بأن والفعل ، فكل منهما جار في اللسان الفصيح (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) أصل العضل التضييق والحبس ، ومنه عضلت المرأة بولدها عسر عليها كأعضلت فهي معضل ومعضل ، ويقال : عضل المرأة يعضلها مثلثة عضلا وعضلا وعضلانا بكسرهما ، وعضلها منعها الزوج ظلما ، وعضلت الأرض بأهلها غضت قال أوس :
ترى الأرض منا بالفضاء مريضة |
|
«معضلة» منا بجيش عرمرم |
(وَلا) إما ناهية على ما قيل ، والفعل مجزوم بها ، والجملة مستأنفة ـ كما قال أبو البقاء ـ أو معطوفة على الجملة التي قبلها بناء على جواز عطف جملة النهي على جملة خبرية كما نسب إلى سيبويه ، أو بناء على أن الجملة الأولى في معنى النهي إذ معناها لا ترثوا النساء كرها فإنه غير حلال لكم ، وإما نافية مزيدة لتأكيد النفي ، والفعل منصوب بالعطف على (تَرِثُوا) كأنه قيل : لا يحل ميراث النساء (كَرْهاً) ولا عضلهن ، ويؤيد ذلك قراءة ابن مسعود ، ولا أن تعضلوهن ، ـ وأما جعل (لا) نافية غير مزيدة والفعل معطوف على المنصوب قبله ـ فقد ردّه بعضهم بأنه إذا عطف فعل منفي ـ بلا ـ على مثبت وكانا منصوبين فالقاعدة أن الناصب يقدر بعد حرف العطف لا بعد (لا) ولو قدرته هنا بعد العاطف على ذلك التقدير فسد المعنى كما لا يخفى ، والخطاب في المتعاطفين إما للورثة غير الأزواج فقد كانوا يمنعون المرأة المتوفى عنها زوجها من التزوج لتفتدي بما ورثت من زوجها ، أو تعطيهم صداقا أخذته كما كانوا يرثونهن كرها ، والمراد ـ بما آتيتموهن ـ على هذا ما أتاه جنسكم وإلا لم يلتئم الكلام لأن الورثة ما آتوهن شيئا ، وإلا للأزواج فإنهم كما كانوا يفعلون ما تقدم كانوا يمسكون النساء من غير حاجة لهم إليهم فيضاروهن ويضيقوا عليهن