وميزه ـ ويجوز أن يتعلق الكاف ـ بأن يكتب ـ على أنه نعت لمصدر محذوف أو حال من ضمير المصدر على رأي سيبويه ، والتقدير أن يكتب كتابة مثل ما علمه الله تعالى أو أن يكتبه أي الكتب مثل ما علمه الله تعالى وبينه له بقوله سبحانه : (بِالْعَدْلِ) وجوز أن يتعلق بقوله تعالى : (فَلْيَكْتُبْ) والفاء غير مانعة كما في (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر : ٣] لأنها صلة في المعنى ، والأمر بالكتابة بعد النهي عن الأداء منها على الأول للتأكيد ، واحتيج إليه لأن النهي عن الشيء ليس أمرا بضده صريحا على الأصح فأكده بذكره صريحا اعتناء بشأن الكتابة ، ومن هذا ذهب بعضهم إلى أن الأمر للوجوب ومن فروض الكفاية ولكن الأمر لما كان لنا لا علينا صرف عن ذلك لئلا يعود ما تقدم في مسألة جهالة الأجل ، وأما على الوجه الثاني فلا تأكيد وإنما هو أمر بالكتابة المقيدة بعد النهي عن الامتناع من المطلقة وهذا لا يفيد التأكيد لأن النهي عن الامتناع عن المطلق لا يدل على الأمر بالمقيد ليكون ذكره بعده تأكيدا ، وادعاه بعضهم لأنه إذا كان الامتناع عن مطلق الكتابة منهيا فلأن يكون الامتناع عن الكتابة الشرعية منهيا بطريق الأولى ، والنهي عن الامتناع عن الكتابة الشرعية أمر بها فيكون الأمر بالكتابة الشرعية صريحا للتوكيد ، وأيضا إذا ورد مطلق ومقيد الحادثة واحدة يحمل المطلق على المقيد سواء تقدم المطلق أو تأخر فكما حمل الأمر بمطلق الكتابة في الوجه الأول على الكتابة المقيدة ليفيد التأكيد فلم لم يحمل النهي عن الامتناع عن مطلق الكتابة على الكتابة المقيدة للتأكيد ، وهل التفرقة بين الأمرين إلا تحكم بحت كما لا يخفى؟!
و «ما» قيل : إما مصدرية أو كافة ـ وجوز أن تكون موصولة أو موصوفة ـ وعليهما فالضمير لها ، وعلى الأولين للكاتب ، وقدر بعضهم على كل تقدير المفعول الثاني لعلم كتابة الوثائق فافهم (وَلْيُمْلِلِ) من الإملال بمعنى الإلقاء على الكاتب ما يكتبه وفعله أمللت ، وقد يبدل أحد المضاعفين ياء ويتبعه المصدر فيه وتبدل همزة لتطرفها بعد ألف زائدة فيقال : إملاء فهو والإملال بمعنى أي ، وليكن الملقى على الكاتب ما يكتبه من الدين (الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) وهو المطلوب لأنه المشهود عليه فلا بد أن يكون هو المقر لا غيره وانفهام الحصر من تعليق الحكم بالوصف فإن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية والأصل عدم علة أخرى (وَلْيَتَّقِ) أي الذي عليه الحق (اللهَ رَبَّهُ) جمع بين الاسم الجليل والوصف الجميل مبالغة في الحث على التقوى بذكر ما يشعر بالجلال والجمال (وَلا يَبْخَسْ) أي لا ينقص (مِنْهُ) أي من الحق الذي يمليه على الكاتب (شَيْئاً) وإن كان حقيرا ، وقرئ «شيا» بطرح الهمزة و «شيّا» بالتشديد. وهذا هو التفسير المأثور عن سعيد بن جبير ، وقيل : يجوز أن يرجع ضمير ـ يتق ـ للكاتب وليس بشيء لأن ضمير يبخس لمن عليه الحق إذ هو الذي يتوقع منه البخس خاصة ، وأما الكاتب فيتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه النقص فلو أريد نهيه لنهي عن كليهما ، وقد فعل ذلك حيث أمر بالعدل ، وإرجاع كل منهما تفكيك لا يدل عليه دليل ، وإنما شدد في تكليف المملي حيث جمع فيه بين الأمر بالاتقاء والنهي عن البخس لما فيه من الدواعي إلى المنهي عنه فإن الإنسان مجبول على دفع الضرر عنه ما أمكن ، وفي (مِنْهُ) وجهان : أحدهما أن يكون متعلقا ببخس و ـ من ـ لابتداء الغاية ، وثانيهما أن يكون متعلقا بمحذوف لأنه في الأصل صفة للنكرة فلما قدمت عليه نصب حالا. و (شَيْئاً) إما مفعول به وإما مصدر (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) صرح بذلك في موضع الإضمار لزيادة الكشف لا لأن الأمر والنهي لغيره ، وعليه متعلق بمحذوف أي وجب والحق فاعل ، وجوز أن يكون (عَلَيْهِ) خبرا مقدما ، (الْحَقُ) مبتدأ مؤخرا فتكون الجملة اسمية ، وعلى التقديرين لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول (سَفِيهاً) أي عاجزا أحمق قاله ابن زيد ، أو جاهلا بالإملال قاله مجاهد ، أو مبذرا لماله ومفسدا لدينه قاله الشافعي (أَوْ ضَعِيفاً) أي صبيا ، أو شيخا خرفا (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) جملة معطوفة على مفرد هو خبر كان لتأويلها بالمفرد أي ـ أو غير مستطيع