للاملاء بنفسه لخرس ـ كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو لما هو أعم منه ومن الجهل باللغة وسائر العوارض المانعة ، والضمير البارز توكيد للضمير المستتر في ـ أن يمل ـ وفائدة التوكيد به رفع المجاز الذي كان يحتمله إسناد الفعل إلى الضمير والتنصيص على أنه غير مستطيع بنفسه ، وقيل : إن الضمير فاعل ـ ليمل ـ وتغيير الأسلوب اعتناء بشأن النفي ، ولا يخفى حسن الإدغام هنا والفك فيما تقدم ، ومثله الفك في قوله تعالى : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) أي متولي أمره وإن لم يكن خصوص الولي الشرعي فيشمل القيّم والوكيل والمترجم ، والإقرار عن الغير في مثل هذه الصورة مقبول وفرق بينه وبين الإقرار على الغير فاعرفه (بِالْعَدْلِ) بين صاحب الحق والمولى عليه فلا يزيد ولا ينقص ولم يكلف بعين ما كلف به من غير الحق لأنه يتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه البخس ، واستدل بعضهم ـ بالآية على أنه لا يجوز أن يكون الوصي ذميا ولا فاسقا وأنه يجوز أن يكون عبدا أو امرأة لأنه لم يشترط في الأولياء إلا العدالة ذكره ابن الفرس ـ وليس بشيء كما لا يخفى.
ومن الناس من استدل بقوله سبحانه : (فَلْيَكْتُبْ وَلا يَأْبَ) على وجوب الكتابة وإلى ذلك ذهب الشعبي ، والجبائي ، والرماني إلا أنهم قالوا : إنها واجبة على الكفاية ـ وإليه يميل كلام الحسن ـ وقال مجاهد ، والضحاك : واجب عليه أن يكتب إذا أمر ، وقيل : هي مندوبة ، وروي عن الضحاك أنها كانت واجبة ثم نسخ ذلك.
(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) أي اطلبوهما ليتحملا الشهادة على ما جرى بينكما ، وجوز أن تكون السين والتاء زائدتين أي اشهدوا ، وفي اختيار صيغة المبالغة إيماء إلى طلب من تكررت منه الشهادة فهو عالم بموقعها مقتدر على أدائها وكأن فيه رمزا إلى العدالة لأنه لا يتكرر ذلك من الشخص عند الحكام إلا وهو مقبول عندهم ولعله لم يقل رجلين لذلك ، والأمر للندب أو للوجوب على الخلاف في ذلك (مِنْ رِجالِكُمْ) متعلق باستشهدوا ـ و (مِنْ) لابتداء الغاية أو بمحذوف على أنه صفة لشهيدين ، و (مِنْ) تبعيضية والخطاب للمؤمنين المصدر بهم الآية ، وفي ذكر الرجال مضافا إلى ضمير المخاطبين دلالة على اشتراط الإسلام والبلوغ والذكورة في الشاهدين ، والحرية لأن المتبادر من الرجال الكاملون والأرقاء بمنزلة البهائم ، وأيضا خطابات الشرع لا تنتظم العبيد بطريق العبارة كما بين في محله ، وذهب الإمامية إلى عدم اشتراط الحرية في قبول الشهادة وإنما الشرط فيه عندهم الإسلام والعدالة ، وإلى ذلك ذهب شريح ، وابن سيرين ، وأبو ثور ، وعثمان البتي وهو خلاف المروي عن علي كرم الله تعالى وجهه ـ فإنه لم يجوز شهادة العبد في شيء ولم تتعرض الآية لشهادة الكفار بعضهم على بعض ، وأجاز ذلك قياسا الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وإن اختلفت مللهم.
(فَإِنْ لَمْ يَكُونا) أي الشهيدان (رَجُلَيْنِ) أي لم يقصد إشهادهما ولو كانا موجودين والحكم من قبيل نفي العموم لا عموم النفي وإلا لم يصح قوله تعالى : (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) أي فان لم يكونا رجلين مجتمعين فليشهد رجل وامرأتان ، أو فرجل وامرأتان يشهدون. أو يكفون ، أو فالشاهد رجل وامرأتان أو فليستشهد رجل وامرأتان ، أو فليكن رجل وامرأتان شهودا ، وإن جعلت ـ يكن ـ تامة استغنى عن تقدير شهود ، وكفاية الرجل والمرأتين في الشهادة فيما عدا الحدود والقصاص عندنا ، وعند الشافعي في الأموال خاصة لا في غيرها كعقد النكاح ، وقال مالك : لا تجوز شهادة أولئك في الحدود ولا القصاص ، ولا الولاء ولا الإحصان ، وتجوز في الوكالة والوصية إذا لم يكن فيها عتق ، وأما قبول شهادة النساء مفردات فقد قالوا به في الولادة والبكارة والاستهلال وما يجري مجرى ذلك ما بين في الكتب الفقهية ، وقرئ ـ «وامرأتان» ـ بهمزة ساكنة ، ولعل ذلك لاجتماع المتحركات (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ) متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان أي كائنون ممن ترضونهم والتصريح بذلك هنا مع تحقق اعتباره في كل شهيد لقلة اتصاف النساء به