إذ قلما يتفقان إلا عن تقصير سابق فالمعنى لا تؤاخذنا بذلك التقصير ، الثالث أن المراد بهما أنفسهما من حيث ترتبهما على ما ذكر ، أو مطلقا إذ لا امتناع في المؤاخذة بهما عقلا فإن المعاصي كالسموم فكما أن تناولها ولو سهوا أو خطأ مؤد إلى الهلاك فتعاطي المعاصي أيضا لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم يكن عن عزيمة ولكنه تعالى وعد التجاوز عنه رحمة منه وفضلا فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة واعتدادا بالنعمة فيه.
ويؤيد ذلك مفهوم قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما أخرجه الطبراني ، وقال النووي حديث حسن : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه» وأورد على هذا بأنه لا يتم على مذهب المحققين من أهل السنة والمعتزلة من أن التكليف بغير المقدور غير جائز عقلا منه تعالى إذ لا يكون ترك المؤاخذة على الخطأ والنسيان حينئذ فضلا يستدام ونعمة يعتد بها (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) أي عبثا ثقيلا يأسر صاحبه أي يحبسه مكانه.
والمراد به التكاليف الشاقة ، وقيل : الإصر الذنب الذي لا توبة له فالمعنى اعصمنا من اقترافه ، وقرئ آصارا على الجمع ، وقرأ أبيّ ـ ولا تحمّل ـ بالتشديد للمبالغة (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) في حيز النصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي حملا مثل حملك إياه على من قبلنا ، أو على أنه صفة لإصرا أي إصرا مثل الإصر الذي حملته على من قبلنا ـ وهو ما كلفه بنو إسرائيل ـ من قتل النفس في التوبة أو في القصاص لأنه كان لا يجوز غيره في شريعتهم. وقطع موضع النجاسة من الثياب ونحوها ، وقيل : من البدن وصرف ربع المال في الزكاة.
(رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) استعفاء عن العقوبات التي لا تطاق بعد الاستعفاء عما يؤدي إليها والتعبير عن إنزال ذلك بالتحميل مجاز باعتبار ما يؤدي إليه ، وجوز أن يكون طلبا لما هو أعم من الأول لتخصيصه بالتشبيه إلا أنه صور فيه الإصر بصورة ما لا يستطاع مبالغة ، وقيل : هو استعفاء عن التكليف بما لا تفي به القدر البشرية حقيقة فتكون الآية دليلا على جواز التكليف بما لا يطاق وإلا لما سئل التخلص عنه وليس بالقوي ، والتشديد هاهنا لمجرد تعدية الفعل لمفعول ثان دون التكثير (وَاعْفُ عَنَّا) أي امح آثار ذنوبنا بترك العقوبة.
(وَاغْفِرْ لَنا) بستر القبيح وإظهار الجميل (وَارْحَمْنا) وتعطف علينا بما يوجب المزيد ، وقيل : (اعْفُ عَنَّا) من الأفعال (وَاغْفِرْ لَنا) من الأقوال (وَارْحَمْنا) بثقل الميزان ، وقيل : (وَاعْفُ عَنَّا) في سكرات الموت (وَاغْفِرْ لَنا) في ظلمة القبور (وَارْحَمْنا) في أهوال يوم النشور ، قال أبو حيان : ولم يأت في هذه الجمل الثلاث بلفظ (رَبَّنا) لأنها نتائج ما تقدم من الجمل التي افتتحت بذلك فجاء ـ فاعف عنا ـ مقابلا لقوله تعالى : (لا تُؤاخِذْنا وَاغْفِرْ لَنا) لقوله سبحانه : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً وَارْحَمْنا) لقوله عز شأنه : (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) لأن من آثار عدم المؤاخذة بالنسيان والخطأ والعفو ، ومن آثار عدم حمل الإصر عليهم المغفرة ومن آثار عدم تحميل ما لا يطاق الرحمة ولا يخفى حسن الترتيب (أَنْتَ مَوْلانا) أي مالكنا وسيدنا ، وجوز أن يكون بمعنى متولي الأمر وأصله مصدر أريد به الفاعل وإذا ذكر المولى والسيد وجب في الاستعمال تقديم المولى فيقال : مولانا وسيدنا كما في قول الخنساء :
وإن صخرا ـ لمولانا وسيدنا ـ |
|
وإن صخرا إذا اشتوا لمنحار |
وخطئوا من قال : سيدنا ومولانا بتقديم السيد على المولى ـ كما قاله ابن أبيك ـ ولي فيه تردد قيل : والجملة على معنى القول أي قولوا أنت مولانا (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي الأعداء في الدين المحاربين لنا أو مطلق