الكفرة وأتى بالفاء إيذانا بالسببية لأن الله تعالى لما كان مولاهم ومالكهم ومدبر أمورهم تسبب عنه أن دعوه بأن ينصرهم على أعدائهم فهو كقولك أنت الجواد فتكرم علي وأنت البطل فاحم الجار.
(ومن باب الاشارة في هذه الآيات) (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) أي العوالم الروحانية كلها وما استتر في أستار غيوبه وخزائن علمه (وَما فِي الْأَرْضِ) أي العالم الجسماني والظواهر المشاهدة التي هي مظاهر الأسماء والأفعال (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) يشهده بأسمائه وظواهره (يُحاسِبْكُمْ بِهِ) وإن تخفوه يشهده بصفاته وبواطنه ويحاسبكم به (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لتوحيده وقوة يقينه وعروض سيئاته وعدم رسوخها في ذاته (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) لفساد اعتقاده ووجود شكه ، أو رسوخ سيئاته في نفسه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) لأن به ظهور كل ظاهر وبطون كل باطن فيقدر على المغفرة والتعذيب (آمَنَ الرَّسُولُ) الكامل الأكمل (بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) أي صدقه بقبوله والتخلق به فقد كان خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن والترقي بمعانيه والتحقق به (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) وحده مشاهدة حين لم يروا في الوجود سواه (وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) حين رجوعهم إلى مشاهدتهم تلك الكثرة مظاهر للوحدة يقولون (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) يرد بعض وقبول بعض لمشاهدة الحق فيهم بالحق (وَقالُوا سَمِعْنا) أجبنا ربنا في كتبه ورسله ونزول ملائكته واستقمنا في سيرنا (غُفْرانَكَ رَبَّنا) أي اغفر وجوداتنا وصفاتنا واستر ذلك بوجودك وصفاتك فمنك المبدأ (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) بالفناء فيك (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلا ما يسعها ولا يضيق به طوقها واستعدادها من التجليات (لَها ما كَسَبَتْ) من الخير والكمالات والكشوف سواء كان ذلك باعتمال أو بغير اعتمال (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) وتوجهت إليه بالقصد من السوء (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) عهدك بميلنا إلى ظلمة الطبيعة (أَوْ أَخْطَأْنا) بالعمل على غير الوجه اللائق لحضرتك (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) وهو عبء الصفات والأفعال الحابسة للقلوب من معاينة الغيوب (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) من المحتجبين بظواهر الأفعال أو بواطن الصفات (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من ثقل الهجران والحرمان عن وصالك ومشاهدة جمالك بحجب جلالك (وَاعْفُ عَنَّا) سيئات أفعالنا وصفاتنا فإنها سيئات حجبتنا عنك وحرمتنا برد وصالك ولذة رضوانك (وَاغْفِرْ لَنا) ذنوب وجودنا فإنه أكبر الكبائر (وَارْحَمْنا) بالوجود الموهوب بعد الفناء (أَنْتَ مَوْلانا) أي سيدنا ومتولي أمورنا لأنا مظاهرك وآثار قدرتك (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) من قوى نفوسنا الأمارة وصفاتها وجنود شياطين أوهامنا المحجوبين عنك الحاجبين إيانا لكفرهم وظلمتهم ، هذا وقد أخرج مسلم ، والترمذي من حديث ابن عباس لما نزلت هذه الآية فقرأها صلى الله تعالى عليه وسلم قيل له عقيب كل كلمة قد فعلت ، واخرج أبو سعيد ، والبيهقي عن الضحاك أن جبريل لما جاء بهذه الآية ومعه ما شاء الله تعالى من الملائكة وقرأها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال له بعد كل كلمة لك ذلك حتى فرغ منها ، وأخرج أبو عبيد عن أبي ميسرة أن جبريل لقن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند خاتمة البقرة آمين ، وأخرج الأئمة الستة في كتبهم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» وأخرج الطبراني بسند جيد عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ولا يقرءان في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان» وأخرج ابن عدي عن ابن مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «أنزل الله تعالى آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي عام من قرأهما بعد العشاء الآخرة اجزأتاه عن قيام الليل» وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «إن