المشهور عند العارفين غير مختص به بل كل نبي خليل الله تعالى ، إما لأن ثبوت ذلك المقام له عليه الصلاة والسلام على وجه لم يثبت لغيره ـ كما قيل ـ وإما لزيادة التشريف والتعظيم كما نقول ، واعترض بعض النصارى بأنه إذا جاز إطلاق الخليل على إنسان تشريفا فلم لم يجز إطلاق الابن على آخر لذلك؟ أجيب بأن الخلة لا تقتضي الجنسية بخلاف النبوة فإنها تقتضيها قطعا ، والله تعالى هو المنزه عن مجانسة المحدثات.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يحتمل أن يكون متصلا بقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) علبى أنه كالتعليل لوجوب العمل ، وما بينهما من قوله سبحانه : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) اعتراض أي إن جميع ما في العلو والسفل من الموجودات له تعالى خلقا وملكا لا يخرج من ملكوته شيء منها فيجازي كلّا بموجب أعماله إن خيرا فخير وإن شرا فشر وأن يكون متصلا بقوله جل شأنه : (وَاتَّخَذَ اللهُ) إلخ بناء على أن معناه اختاره واصطفاه أي هو مالك لجميع خلقه فيختار من يريده منهم كإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فهو لبيان أن اصطفاءه عليه الصلاة والسلام بمحض مشيئته تعالى.
وقيل : لبيان أن اتخاذه تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلا ليس لاحتياجه سبحانه إلى ذلك لشأن من شئونه كما هو دأب المخلوقين ، فإن مدار خلتهم افتقار بعضهم إلى بعض في مصالحهم ، بل لمجرد تكرمته وتشريفه ، وفيه أيضا إشارة إلى أن خلته عليهالسلام لا تخرجه عن العبودية لله تعالى.
(وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) إحاطة علم وقدرة بناء على أن حقيقة الإحاطة في الأجسام ، فلا يوصف الله تعالى بذلك فلا بدّ من التأويل وارتكاب المجاز على ما ذهب إليه الخلف ، والجملة تذييل مقرر لمضمونه ما قبله على سائر وجوهه.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) أي سافرتم في أرض الاستعداد لمحاربة عدو النفس ، أو لتحصيل أحوال الكمالات (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) أي تنقصوا من الأعمال البدنية (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي حجبوا عن الحق من قوى الوهم والتخيل ، وحاصله الترخيص لأرباب السلوك عند خوف فتنة القوى أن ينقصوا من الأعمال البدنية ويزيدوا في الأعمال القلبية كالفكر والذكر ليصفوا القلب ويشرق نوره على القوى فتقل غائلتها فتركوا عند ذلك الأعمال البدنية ، ولا يجوز عند أهل الاختصاص ترك الفرائض لذلك كما زعمه بعض الجهلة (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) ولم تكن غائبا عنهم بسيرك في غيب الغيب وجلال المشاهدة وعائما في بحار «لي مع الله تعالى وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل» (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) أي الأعمال البدنية (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) وليفعلوا كما تفعل (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) من قوى الروح ويجمعوا حواسهم ليتأتى لهم المشابهة ، أو ليقفوا على ما في فعلك من الأسرار فلا تضلهم الوسائس (فَإِذا سَجَدُوا) وبلغوا الغاية في معرفة ما أقمته لهم وأتوا به على وجهه (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) ذابين عنكم اعتراض الجاهلين ، أو قائمين بحوائجكم الضرورية (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى) منهم (لَمْ يُصَلُّوا) بعد (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) وليفعلوا فعلك (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) كما أخذا الأولون أسلحتهم ، وإنما أمر هؤلاء بأخذ الحذر أيضا حثا لهم على مزيد الاحتياط لئلا يقصروا فيها يراد منهم اتكالا على الأخذ بعد ممن أخذ أولا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وحاصل هذا الإشارة إلى أن تعليم الشرائع والآداب للمريدين ينبغي أن يكون لطائفة طائفة منهم ليتمكن ذلك لديهم أتم تمكن ، وقيل : الطائفة الأولى إشارة إلى الخواص ، والثانية إلى العوام ولهذا اكتفي في الأول بالأمر بأخذ الأسلحة ، وفي الثاني أمر الحذر أيضا (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم قوى النفس الأمارة (لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ) وهي