قوى الروح (وَأَمْتِعَتِكُمْ) وهي المعارف الإلهية (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) ويرمونكم بنبال الآفات والشكوك ويهلكونكم (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً) بأن أصابكم شؤبوب (مِنْ مَطَرٍ) يعني مطر سحائب التجليات (أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى) بحمى الوجد والغرام وعجزتم عن أعمال القوى الروحانية (أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) وتتركوا أعمال تلك القوى حتى يتجلى ذلك السحاب وينقطع المطر وتهتز أرض قلوبكم بأزهار رحمة الله تعالى وتطفأ حمى الوجد بمياه القرب (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) عند وضع أسلحتكم واحفظوا قلوبكم من الالتفات إلى غير الله تعالى (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ) من القوى النفسانية (عَذاباً مُهِيناً) أي مذلا لهم وذلك عند حفظ القلب وتنور الروح (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) أي أديتموها (فَاذْكُرُوا اللهَ) في جميع الأحوال (قِياماً) في مقام الروح بالمشاهدة (وَقُعُوداً) في محل القلب بالمكاشفة (وَعَلى جُنُوبِكُمْ) أي تقلباتكم في مكان النفس بالمجاهدة (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) ووصلتم إلى محل البقاء (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فأدوها على الوجه الأتم لسلامة القلب حينئذ عن الوساوس النفسانية التي هي بمنزلة الحدث عند أهل الاختصاص (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) فلا تسقط عنهم ما دام العقل والحياة (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) الذين يحاربونكم وهم النفس وقواها (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ) منكم لمنعكم لهم عن شهواتهم (كَما تَأْلَمُونَ) منهم لمعارضتهم لكم عن السير إلى الله تعالى (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ) أي تأملون منه سبحانه (ما لا يَرْجُونَ) لأنكم ترجون التنعم بجنة القرب والمشاهدة ، ولا يخطر ذلك لهم ببال ، أو تخافون القطيعة وهم لا يخافونها (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) فيعلم أحوالكم وأحوالهم (حَكِيماً) فيفيض على القوابل حسب القابليات (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي علم تفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها (بِالْحَقِ) متلبسا ذلك الكتاب بالصدق أو قائما أنت بالحق لا بنفسك (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) خواصهم وعوامهم (بِما أَراكَ اللهُ) أي بما علمك الله سبحانه من الحكمة (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) الذين لم يؤدوا أمانة الله تعالى التي أودعت عندهم في الأزل مما ذكر في استعدادهم من إمكان طاعته وامتثال أمره (خَصِيماً) تدفع عنهم العقاب وتسلط الخلق عليهم بالذل والهوان ، أو تقول لله تعالى : يا رب لم خذلتهم وقهرتهم فإنهم ظالمون ، ولله تعالى الحجة البالغة عليهم.
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) من الميل الطبيعي الذي اقتضته الرحمة التي أحاطت بك (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) فيفعل ما تطلبه منه وزيادة (وَلا تُجادِلْ) أحدا عن (الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) بتضييع حقوقها (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً) لنفسه (أَثِيماً) مرتكبا الإثم ميالا مع الشهوات (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) بإزالتها وقلعها (وَهُوَ مَعَهُمْ) محيط بظواهرهم وبواطنهم (إِذْ يُبَيِّتُونَ) أي يدبرون في ظلمة عالم النفس والطبيعة (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) من الوهميات والتخيلات الفاسدة (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) فيجازيهم حسب أعمالهم (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) بظهور صفة من صفات نفسه (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بنقص شيء من كمالاتها (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ) ويطلب منه ستر ذلك بالتوجه إليه والتذلل بين يديه (يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) فيستر ويعطى ما يقتضيه الاستعداد (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) بإظهار بعض الرذائل (أَوْ إِثْماً) بمحو ما في الاستعداد (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) بأن يقول : حملني الله تعالى على ذلك ، أو حملني فلان عليه (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) حيث فعل ونسب فعله إلى الغير ولو لم تكن مستعدة لذلك طالبة له بلسان الاستعداد في الأزل لم يفض عليه ولم يبرز إلى ساحة الوجود ، ولذا أفحم إبليس اللعين أتباعه بما قص الله تعالى لنا من قوله : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) إلى أن قال : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) ، (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ) أي توفيقه وإمداده لسلوك طريقه (وَرَحْمَتُهُ) حيث وهب لك الكمال المطلق (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لعود ضرره عليهم ،