يتعلق على ـ بحجة ـ لأنها مصدر ومعموله لا يتقدم عليه ، ومن جوزه في الظرف جوزه هنا ، وقوله تعالى : (بَعْدَ الرُّسُلِ) ـ أي بعد إرسالهم وتبليغ الشريعة على ألسنتهم ـ ظرف لحجة ، وجوز أن يكون صفة لها لأن ظرف الزمان يوصف به المصادر كما يخبر به عنها (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغالب في أمر يريده.
(حَكِيماً) في جميع أفعاله ، ومن قضية ذلك الامتناع عن إجابة مسألة المتعنتين ، وقطع الحجة بإرسال الرسل وتنوع الوحي إليهم والإعجاز ، وقيل : (عَزِيزاً) في عقاب الكفار (حَكِيماً) في الأعذار بعد تقدم الإنذار كأنه بعد أن سألوا إنزال كتاب الله تعالى (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) بتخفيف النون ورفع الجلالة.
وقرأ السليمي بتشديد النون ونصب الجلالة ، وهو استدراك عن مفهوم ما قبله كأنهم لما سألوه صلىاللهعليهوسلم إنزال كتاب من السماء وتعنتوا ورد عليهم بقوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) إلخ قيل : إنهم لا يشهدون (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ).
وحاصل ذلك إن لم تلزمهم الحجة ويشهدوا لك فالله تعالى يشهد ، وقيل : إنه سبحانه لما شبه الإيحاء إليه صلىاللهعليهوسلم بالإيحاء إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أوهم ذلك التشبيه مزية الإيحاء إليهم ، فاستدرك عنه بأن للإيحاء إليك مزية شهادة الله تعالى (بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) أي بحقية الذي أنزله إليك وهو القرآن ، فالجار والمجرور متعلق ـ بيشهد ـ والباء صلة والمشهود به هو الحقية ، ويجوز أن يكون المشهود به هو النبوة وتعلق بما أنزل تعلق الآلية أي يشهد بنبوتك بسبب ما أنزل إليك لدلالته بإعجازه على صدقك ونبوتك ، ولعل مآل المعنى ومؤداه واحد فإن شهادته سبحانه بحقية ما أنزله من القرآن بإظهار المعجز المقصود منه إثبات نبوته صلىاللهعليهوسلم ، وأخرج البيهقي في الدلائل وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : «دخل جماعة من اليهود على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فقال عليه الصلاة والسلام لهم : إني والله أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله فقالوا : ما نعلم ذلك فنزلت (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ)» وفي رواية ابن جرير عنه «أنه لما نزل (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)» ، قالوا : ما نشهد لك فنزل (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ)» وقرئ «أنزل» على البناء للمفعول (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) ذكر فيه أربعة أوجه : الأول أن يكون المعنى أنزله بعلمه الخاص به الذي لا يعلمه غيره سبحانه ، وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان ، واختاره جماعة من المفسرين ، والثاني أن يكون المعنى (أَنْزَلَهُ) وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك لقيامك فيه بالحق ودعائك الناس إليه ، واختاره الطبرسي ، والثالث أن يكون المعنى (أَنْزَلَهُ) بما علم من مصالح العباد مشتملا عليه ، والرابع أن يكون المعنى (أَنْزَلَهُ) وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة ، والعلم على الوجه الأول قيل : بمعنى المعلوم ، والمراد به التأليف والنظم المخصوص وليس من جعل العلم مجازا عن ذلك ولو جعل عليه العلم بمعناه المصدري ، والباء للملابسة ويكون تأليفه بيانا لتلبسه لا للعلم نفسه صح لكن فيه تجوز من جهة أن التأليف ليس نفس التلبس بل أثره ، ويحتمل على هذا أن تكون الباء للآلية كما يقال : فعله بعلمه إذا كان متقنا وعلى ما ينبغي ، فيكون وصفا للقرآن بكمال الحسن والبلاغة ، وأما على الوجه الثاني والثالث فالعلم بمعناه ، أو هو في الثالث بمعنى المعلوم ، والظرف حال من الفاعل أو المفعول ، ومتعلق العلم مختلف وهو أنك أهل لإنزاله أو مصالح العباد ، وظاهر كلام البعض أنه على الثاني حال من الفاعل ، وعلى الثالث من المفعول ، وجوز أن يكون مفعولا مطلقا مطلقا أي إنزالا متلبسا بعلمه ، وموقع الجملة على الأول موقع الجملة المفسرة لأنه بيان للشهادة على ما نص عليه الزمخشري ، وعلى الوجهين موقع التقرير والبيان للصلة وقيل : إنها في الأوجه الثلاثة كالتفسير ـ لأنزل إليك ـ لأنها بيان لإنزاله على وجه مخصوص ، وأما على الوجه الرابع فقد ضمن العلم بمعنى الرقيب والحافظ ، والظرف حال من الفاعل ، ويكون (أَنْزَلَهُ) تكريرا ليعلق به ما علق أو كما قيل ، ولم يعتبر بعضهم هذا الوجه لأنه لا مساس له بهذا المقام ، وقيل : إن فيه تعظيما لأمر القرآن بحفظه