من شياطين الجن المشعر بحفظه أيضا من شياطين الإنس فتكون الجملة حينئذ كالتفسير للشهادة أيضا ، وقرئ نزله (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أيضا بما شهد الله تعالى به لأنهم تبع له سبحانه في الشهادة ، والجملة عطف على ما قبلها ، وقيل : حال من مفعول (أَنْزَلَهُ) أي أنزله (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) بصدقه وحقيته ، وجعل بعضهم شهادة الملائكة على صدقه صلىاللهعليهوسلم في دعواه بإتيانهم لإعانته عليه الصلاة والسلام في القتال ظاهرين كما كان في غزوة بدر ، وأيّا ما كان ـ فيشهدون ـ من الشهادة ، وذكر أنه على الوجه الرابع من الشهود للحفظ (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على ما شهد به لك حيث نصب الدليل وأوضح السبيل وأزال الشبه وبالغ في ذلك على وجه لا يحتاج معه إلى شهادة غيره عزوجل.
هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) أي لا يحب أن يهتك العبد ستره إذا صدرت منه هفوة ؛ أو اتفقت منه كبوة (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) أي إلا جهر من ظلمته نفسه برسوخ الملكات الخبيثة فيه فإنه مأذون له بإظهار ما فيه من تلك الملكات وعرضها على أطباء القلوب ليصفوا له دواءها ، وقيل : (لا يُحِبُّ اللهُ) تعالى إفشاء سر الربوبية وإظهار مواهب الألوهية ، أو كشف القناع من مكنونات الغيب ومصونات غيب الغيب (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) بغلبات الأحوال وتعاقب كئوس الجلال والجمال فاضطر إلى المقال فقال باللسان الباقي لا باللسان الفاني أنا الحق وسبحاني ما أعظم شأني ، وفي تسمية تلك الغلبة ظلما خفاء لا يخفى.
وفي ظاهر الآية بشارة عظيمة للمذنبين حيث بين سبحانه أنه لا يرضى بهتك الستر إلا من المظلوم فكيف يرضى سبحانه من نفسه أن يهتك ستر العاصين وليسوا بظالميه جل جلاله ، وإنما ظلموا أنفسهم كما نطق بذلك الكتاب (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) هؤلاء قوم احتجبوا بالجمع عن التفصيل ، فأنكروا الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعا مباينا للتفصيل ، ومن هنا عطلوا الشرائع وأباحوا المحرمات وتركوا الصلوات (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ) أي الإيمان بالكل جمعا وتفصيلا والكفر بالكل (سَبِيلاً) أي طريقا (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) المحجوبون حقا بذواتهم وصفاتهم لأن معرفتهم وهم وغلط ، وتوحيدهم زندقة وضلال ، ولقتل واحد منهم أنفع من قتل ألف كافر حربي على ما أشار إليه حجة الإسلام الغزالي قدسسره (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ (١) يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) وهم المؤمنون جمعا وتفصيلا لا يحجبهم جمع عن تفصيل ولا تفصيل عن جمع كالسادة الصادقين من أهل الوحدة (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) من الجنات الثلاث (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يستر ذواتهم وصفاتهم (رَحِيماً) يرحمهم بالوجود الموهوب الحقاني والبقاء السرمدي (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) أي علما يقينا بالمكاشفة من سماء الروح (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) أي طلبوا المشاهدة ولا شك أنها أكبر وأعلى من المكاشفة (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) أي استولت عليهم نار الأنانية وأهلكت استعدادهم (بِظُلْمِهِمْ) وهو طلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) أي عجل الشهوات الذي صاغه لهم سامري النفس الأمارة (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) الرادعة لهم عن ذلك (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) وهو سطوع نور التجلي من وجهه حتى احتاج إلى أن يستر وجهه بالبرقع رحمة بخفافيش أمته (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) أي جعلناه مستوليا عليهم (بِمِيثاقِهِمْ) أي بسبب أن يعطوا الميثاق ، وأشير بالطور إلى موسى عليهالسلام ، أو إلى العقل ورفعه فوقهم تأييده بالأنوار الإلهية (وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ) أي باب السير والسلوك الموصل إلى حضيرة القدس وملك الموت (سُجَّداً) خضعا متذللين ، وقوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) أشير به ـ على ما ذكره بعض القوم ، والعهدة عليه ـ إلى اتصال روحه عليهالسلام بالعالم العلوي عند مفارقته للعالم السفلي ، وذلك الرفع عندهم إلى السماء الرابعة لأن مصدر فيضان روحه عليهالسلام