موضع لها من الإعراب ؛ وقد سدت ـ كما قال أبو البقاء ـ مسدّ جواب الشرط في قوله تعالى : (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) ذكرا كان أو أنثى ، فالمراد بإرثه لها إحراز جميع مالها إذ هو المشروط بانتفاء الولد بالكلية لا إرثه لها في الجملة فإنه يتحقق مع وجود بنتها ، والآية كما لم تدل على سقوط الأخوة بغير الولد لم تدل على عدم سقوطهم به ، وقد دلت السنة على أنهم لا يرثون مع الأب إذ صح عنه صلىاللهعليهوسلم «الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر» ولا ريب في أن الأب أولى من الأخ وليس ما ذكر بأول حكمين بين أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) عطف على الشرطية الأولى ، والضمير لمن يرث بالأخوة وتثنيته محمولة على المعنى وحكم ما فوق الاثنتين كحكمهما ، واستشكل الإخبار عن ضمير التثنية بالاثنتين لأن الخبر لا بد أن يفيد غير ما يفيده المبتدأ ، ولهذا لا يصح سيد الجارية مالكها ، وضمير التثنية دال على الاثنينية فلا يفيد الإخبار عنه بما ذكر شيئا ، وأجيب عن ذلك أن الاثنينية تدل على مجرد التعدد من غير تقييد بكبر أو صغر أو غير ذلك من الأوصاف فكأنه قيل : إنهما يستحقان ما ذكر بمجرد التعدد من غير اعتبار أمر آخر وهذا مفيد ، وإليه ذهب الأخفش ، ورد بأن ضمير التثنية يدل على ذلك أيضا فعاد الإشكال ، وروى مكي عنه أنه أجاب بأن ذلك حمل على معنى من يرث ، وأن الأصل والتقدير إن كان من يرث بالأخوة اثنين ، وإن كان من يرث ذكورا وإناثا فيما يأتي ؛ وإنما قيل : (كانَتَا) و (كانُوا) لمطابقة الخبر كما قيل : من كانت أمك ، ورد بأنه غير صحيح وليس نظير المثال ، لأنه صرح فيه بمن وله لفظ ومعنى ، فمن أنث راعى المعنى وهو الأم ولم يؤنث لمراعاة الخبر ، ومدلول الخبر فيه مخالف لمدلول الاسم بخلاف ما نحن فيه فإن مدلولهما واحد.
وذكر أبو حيان لتخريج الآية وجهين : الأول أن ضمير (كانَتَا) لا يعود على الأختين بل على الوارثين ، وثم صفة محذوفة لاثنتين ، والصفة مع الموصوف هو الخبر ، والتقدير (فَإِنْ كانَتَا) أي الوارثتان (اثْنَتَيْنِ) من الأخوات فيفيد إذ ذاك الخبر ما لا يفيده الاسم ، وحذف الصفة لفهم المعنى جائز ، والثاني أن يكون الضمير عائدا على الأختين ـ كما ذكروا ـ ويكون خبر «كان» محذوفا لدلالة المعنى عليه وإن كان حذفه قليلا ، ويكون (اثْنَتَيْنِ) حالا مؤكدة ، والتقدير فإن كانتا أي الأختان له أي للمرء الهالك ، ويدل على حذف له (وَلَهُ أُخْتٌ).
(وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أصله وإن كانوا إخوة وأخوات فغلب المذكر بقرينة (رِجالاً وَنِساءً) الواقع بدلا ، وقيل : فيه اكتفاء (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ) حكم الكلالة أو أحكامه وشرائعه التي من جملتها حكمها ، وإلى هذا ذهب أبو مسلم (أَنْ تَضِلُّوا) أي كراهة أن تضلوا في ذلك وهو رأي البصريين وبه صرح المبرد.
وذهب الكسائي والفراء وغيرهما من الكوفيين إلى تقدير اللام ولا في طرفي (إِنِ) أي لئلا تضلوا ، وقيل : ليس هناك حذف ولا تقدير وإنما المنسبك مفعول (يُبَيِّنُ) أي يبين لكم ضلالكم ، ورجح هذا بأنه من حسن الختام والالتفات إلى أول السورة وهو (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) فإنه سبحانه أمرهم بالتقوى وبين لهم ما كانوا عليه في الجاهلية ، ولما تم تفصيله قال عزوجل لهم : إني بينت لكم ضلالكم فاتقوني كما أمرتكم فإن الشر إذا عرف اجتنب ، والخير إذا عرف ارتكب ، واعترض بأن المبين صريحا هو الحق والضلال يعلم بالمقايسة ، فكان الظاهر يبين لكم الحق إلا أن يقال : بيان الحق واضح وبيان الضلال خفي فاحتيج إلى التنبيه عليه وفيه تأمل ، وذكر الجلال السيوطي أن حسن الختام في هذه السورة أنها ختمت بآية الفرائض ، وفيها أحكام الموت الذي هو آخر أمر كل حي وهي أيضا آخر ما نزل من الأحكام (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من الأشياء التي من جملتها أحوالكم المتعلقة بمحياكم ومماتكم (عَلِيمٌ)