حضور ، وأقل درجاته تجلي الأفعال (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) أولئك الجبارين عنا وأزيلاهم لتخلو لنا الأرض (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) أي ملازمون مكاننا في مقام النفس معتكفون على الهوى واللذات (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) أي أرض الطبيعة ، وذلك مدة بقائهم في مقام النفس ، وكان ينزل عليهم من سماء الروح نور عقد المعاش فينتفعون بضوئه (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) القلب اللذين هما هابيل العقل ؛ وقابيل الوهم (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) وذلك كما قال بعض العارفين : إن توأمة العقل البوذا العاقلة العملية المدبرة لأمر المعاش والمعاد بالآراء الصالحة المقتضية للأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة المستنبطة لأنواع الصناعات والسياسات ، وتوأمة الوهم إقليميا القوة المتخيلة المتصرفة في المحسوسات والمعاني الجزئية لتحصيل الآراء الشيطانية ، فأمر آدم القلب بتزوج الوهم توأمة العقل لتدبره بالرياضات الإذعانية والسياسات الروحانية وتصاحبه بالقياسات العقلية البرهانية فتسخره للعقل ، وتزويج لعقل توأمة الوهم ليجعلها صالحة ويمنعها عن شهوات التخيلات الفاسدة وأحاديث النفس الكاذبة ويستعمل فيما ينفع فيستريح أبوها وينتفع ، فحسد قابيل الوهم هابيل العقل لكون توأمته أجمل عنده وأحب إليه لمناسبتها إياه فأمرا عند ذلك بالقربان ، فقربا قربانا (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما) وهو هابيل العقل بأن نزلت نار من السماء فأكلته ، والمراد بها العقل الفعال النازل من سماء عالم الأرواح ، وأكله إفاضته النتيجة على الصورة القياسية التي هي قربان العقل وعمله الذي يتقرب به إلى الله تعالى (وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) وهو قابيل الوهم إذ يمتنع قبول الصورة الوهمية لأنها لا تطابق ما في نفس الأمر (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) لمزيد حسده بزيادة قرب العقل من الله تعالى وبعده عن رتبة الوهم في مدركاته وتصرفاته ، وقتله إياه إشارة إلى منعه عن فعله وقطع مدد الروح ونور الهداية الإلهية ـ الذي به الحياة ـ عنه بإيراد التشكيكات الوهمية والمعارضات في تحصيل المطالب النظرية (قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) الذين يتخذون الله تعالى وقاية ، أو يحذرون الهيئات المظلمة البدنية والأهواء المردية والتسويلات المهلكة (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) أي أني لا أبطل أعمالك التي هي سديدة في مواضعها (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) أي لأني أعرف الله سبحانه فأعلم أنه خلقك لشأن وأوجدك لحكمة ، ومن جملة ذلك أن أسباب المعاش لا تحصل إلا بالوهم ولو لا الأمل بطل العمل (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) أي بإثم قتلي وإثم عملك من الآراء الباطلة (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) وهي نار الحجاب والحرمان (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) الواضعين للأشياء في غير موضعها كما وضع الأحكام الحسية موضع المعقولات (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ) بمنعه عن أفعاله الخاصة وحجبه عن نور الهداية (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) لتضرره باستيلائه على العقل فإن الوهم إذا انقطع عن معاضدة العقل حمل النفس على أمور تتضرر منها (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً) وهو غراب الحرص (يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) أي أرض النفس (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) وهو العقل المنقطع عن حياة الروح المشوب بالوهم والهوى المحجوب عن عالمه في ظلمات أرض النفس (قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) بإخفائها في ظلمة النفس فأنتفع بها (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) عند ظهور الخسران وحصول الحرمان (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) لأن الواحد مشتمل على ما يشتمل عليه جميع أفراد النوع ، وقيام النوع بالواحد كقيامه بالجميع في الخارج ، ولا اعتبار بالعدد فإن حقيقة النوع لا تزيد بزيادة الأفراد ولا تنقص بنقصها ، ويقال في جانب الأحياء مثل ذلك (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي أولياءهما (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) بتثبيط السالكين (أَنْ يُقَتَّلُوا) بسيف الخذلان (أَوْ يُصَلَّبُوا) بحبل الهجران على جذع الحرمان (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ) عن أذيال الوصال (وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) عن الاختلاف والتردد إلى السالكين (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ