متبعا لأهوائهم ، وقيل : بمحذوف وقع حالا من فاعله أي لا تتبع أهواءهم عادلا عما جاءك ، أو من مفعوله أي لا تتبع أهواءهم عادلة عما جاءك ، واعترض ذلك بأن ما وقع حالا لا بد أن يكون فعلا عاما ، ولعل القائل لا يسلم ذلك ، و (مِنَ) كما قال أبو البقاء : متعلقة بمحذوف وقع حالا من مرفوع (جاءَكَ) أو من (ما) ، ووضع الموصول موضع ضمير الموصول الأول للإيماء بما في حيز الصلة إلى ما يوجب كمال الاجتناب عن اتباع الأهواء ، والنهي يجوز أن يكون لمن لا يتصور منه وقوع المنهي عنه ، فلا يقال : كيف نهى صلىاللهعليهوسلم عن اتباع أهوائهم وهو عليه الصلاة والسلام معصوم عن ارتكاب ما دون ذلك ، وقيل : الخطاب له صلىاللهعليهوسلم والمراد سائر الأحكام (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) استئناف جيء به لحمل أهل الكتاب من معاصريه صلىاللهعليهوسلم على الانقياد لحكمه عليه الصلاة والسلام بما أنزل الله تعالى إليه من الحق ببيان أنه هو الذي كلفوا العمل به دون غيره مما في كتابهم ، وإنما الذين كلفوا العمل به من مضى قبل النسخ ، والخطاب ـ كما قال جماعة من المفسرين ـ للناس كافة الموجودين والماضين بطريق التغليب ، و ـ الشرعة ـ بكسر الشين ، وقرأ يحيى بن وثاب بفتحها الشريعة ، وهي في الأصل الطريق الظاهر الذي يوصل منه إلى الماء ، والمراد بها الدين ، واستعمالها فيه لكونه سبيلا موصلا إلى ما هو سبب للحياة الأبدية كما أن الماء سبب للحياة الفانية ، أو لأنه طريق إلى العمل الذي يطهر العامل عن الأوساخ المعنوية كما أن الشريعة طريق إلى الماء الذي يطهر مستعمله عن الأوساخ الحسية.
وقال الراغب : سمي الدين شريعة تشبيها بشريعة الماء من حيث إن من شرع في ذلك على الحقيقة روي وتطهر ، وأعني بالري ما قال بعض الحكماء : كنت أشرب فلا أروى فلما عرفت الله تعالى رويت بلا شرب ، وبالتطهر ما قال تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] والمنهاج الطريق الواضح في الدين من نهج الأمر إذا وضح ، والعطف باعتبار جمع الأوصاف ، وقال المبرد : الشرعة ابتداء الطريق ، والمنهاج الطريق المستقيم ، وقيل : هما بمعنى واحد وهو الطريق ، والتكرير للتأكيد ، والعطف مثله في قول الحطيئة : وهند أتى من دونها النأي والبعد. وقول عنترة :
حييت من طلل تقادم عهده |
|
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم |
وقيل : الشرعة الطريق مطلقا سواء كان واضحا أم لا ، وقيل : المنهاج الدليل ، وقيل : الشرعة النبيصلىاللهعليهوسلم ، والمنهاج الكتاب ، وقيل : الشرعة الأحكام الفرعية ، والمنهاج الأحكام الاعتقادية ، وليس بشيء ، واللام متعلقة ـ بجعلنا ـ المتعدية لواحد ، وهو إخبار بجعل ماض لا إنشاء ، وتقديمها عليه للتخصيص ، و (مِنْكُمْ) متعلق بمحذوف وقع صفة لما عوض عنه تنوين ـ كل ـ أي «ولكل أمة» كائنة (مِنْكُمْ) أيها الأمم الباقية ، والخالية عينا ووضعنا (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) خاصين بتلك الأمة لا تكاد أمة تتخطى شرعتها ، والأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما الصلاة والسلام شرعتهم ما في الإنجيل ، وأما أنتم أيها الموجودون فشرعتكم ما في الفرقان ليس إلا فآمنوا به واعملوا بما فيه ، وأوجب أبو البقاء تعلق (مِنْكُمْ) بمحذوف تقديره أعني ، ولم يجوز الوصفية لما أن ذلك يوجب الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي الذي لا تسديد فيه للكلام ، ويوجب أيضا أن يفصل بين (جَعَلْنا) ومعموله وهو شرعة ، وقال شيخ الإسلام : لا ضير في توسط (جَعَلْنا) بين الصفة والموصوف كما في قوله تعالى : (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٤] إلخ ، والفصل بين الفعل ومفعوله لازم على كل حال ، وما ذكر من كون الخطاب للأمم هو الظاهر ، وقيل : إنه للأنبياء الذين أشير إليهم في الآيات قبل ، ولا يخفى بعده ، وأبعد منه جعل الخطاب لهذه الأمة المحمدية ولا يساعده السباق ولا اللحاق ، واستدل بالآية من ذهب إلى أنا غير متعبدين بشرائع من قبلنا لأن الخطاب كما علمت يعم الأمم ، واللام للاختصاص ، فيكون لكل أمة دين يخصها ، ولو كان متعبدا