بالغ في كراهة الشيء ، وأنشد لعبد الله بن قيس :
ما نقموا من بني أمية |
|
إلا أنهم يحلمون إن غضبوا |
وفي النهاية يقال : نقم ينقم إذا بلغت به الكراهة حد السخط ، ويقال : نقم من فلان الإحسان إذا جعله مما يؤديه إلى كفر النعمة ، ومنه حديث الزكاة «ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله تعالى» أي ما ينقم شيئا من منع الزكاة إلا أن يكفر النعمة ، فكأن غناه أداه إلى كفر نعمة الله تعالى ، وعن الراغب إن تفسير نقم بأنكر وأعاب لأن النقمة معناها الإنكار باللسان أو بالعقوبة لأنه لا يعاقب إلا على ما ينكر فيكون على حد قوله : ونشتم بالأفعال لا بالتكلم. وهو كما قال الشهاب : مما يعدى ـ بمن ، وعلى ـ وقال أبو حيان : أصله أن يتعدى بعلى ، ثم افتعل المبني منه يعدى بمن لتضمنه معنى الإصابة بالمكروه ، وهنا فعل بمعنى افتعل ولم يذكر له مستندا في ذلك (إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) من القرآن المجيد. (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل إنزاله من التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) أي متمردون خارجون عن دائرة الإيمان بما ذكر ، فإن الكفر بالقرآن العظيم مستلزم للكفر بسائر الكتب كما لا يخفى ، والواو للعطف وما بعدها عطف على (أَنْ آمَنَّا).
واختار بعض أجلة المحققين أنه مفعول له ـ لتنتقمون ـ والمفعول به الدين وحذف ثقة بدلالة ما قبل وما بعد عليه دلالة واضحة ، فإن اتخاذ الدين هزوا ولعبا عين نقمه وإنكاره ، والإيمان بما فصل عين الدين الذي نقموه ، خلا أنه في معرض علة نقمهم له تسجيلا عليهم بكمال المكابرة والتعكيس حيث جعلوه موجبا لنقمه مع كونه في نفسه موجبا لقبوله وارتضائه ، فالاستثناء على هذا من أعم العلل أي ما تنقمون منا ديننا لعلة من العلل إلا لإيماننا بالله تعالى وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل من كتبكم ولأن أكثركم متمردون غير مؤمنين بشيء مما ذكر حتى لو كنتم مؤمنين بكتابكم الناطق بصحة كتابنا لآمنتم به ، وقدر بعضهم المفعول المحذوف شيئا ولا أرى فيه بأسا ، وقيل : العطف على (أَنْ آمَنَّا) باعتبار كونه المفعول به لكن لا على أن المستثنى مجموع المعطوفين إذ لا يعترفون أن أكثرهم فاسقون حتى ينكروه بل هو ما يلزمهما من المخالفة ، فكأنه قيل : هل تنكرون منا إلا أنا على حال يخالف حالكم حيث دخلنا في الإسلام وخرجتم منه بما خرجتم ، وقيل : الكلام على حذف مضاف أي واعتقاد أن أكثركم فاسقون ، وقيل : العطف على المؤمن به أي هل تنقمون منا إلا إيماننا بالله (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) وبأن أكثركم كافرون ، وهذا في المعنى كالوجه الذي قبله.
وقيل : العطف على علة محذوفة ، وقد حذف الجار في جانب المعطوف ، ومحله إما جر أو نصب على الخلاف المشهور أي هل تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم ولأن أكثركم فاسقون ، وقيل : هو منصوب بفعل مقدر منفي دل عليه المذكور أي ولا تنقمون إن أكثركم فاسقون ، وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف ، ويقدر مقدما عند بعض لأن (أَنْ) المفتوحة لا يقع ما معها مبتدأ إلا إذا تقدم الخبر.
وقال أبو حيان : إن (أَنْ) لا يبتدأ بها متقدمة إلا بعد أما فقط ، وخالف الكثير من النحاة في هذا الشرط على أنه يغتفر في الأمور التقديرية ما لا يغتفر في غيرها ، والجملة على التقديرين حالية ، أو معترضة أي وفسقكم ثابت أو معلوم ، وقيل : الواو بمعنى مع أي هل تنقمون منا إلا الإيمان مع أن أكثركم إلخ.
وتعقبه العلامة التفتازاني بأن هذا لا يتم على ظاهر كلام النحاة من أنه لا بد في المفعول معه من المصاحبة في معمولية الفعل ، وحينئذ يعود المحذور وهو أنهم نقموا كون أكثرهم فاسقين ، نعم يصح على مذهب الأخفش حيث اكتفى في المفعول معه بالمقارنة في الوجود مستدلا بقولهم : سرت والنيل وجئتك وطلوع الشمس ، وبحث فيه بأن