ذلك الاشتراط في المفعول معه لا يوجب الاشتراط في كل واو بمعنى مع ، فليكن الواو بمعنى مع من غير أن يكون مفعولا معه لانتفاء شرطه وهو مصاحبته معمول الفعل بل يكون للعطف.
وقيل : الواو زائدة «وأن أكثركم» إلخ في موضع التعليل أي هل تنقمون منا إلا الإيمان لأن أكثركم فاسقون.
وقرأ نعيم بن ميسرة «وإن أكثركم» بكسر الهمزة ، والجملة حينئذ مستأنفة مبينة لكون أكثرهم متمردين ، والمراد بالأكثر من لم يؤمن (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود : ٤٠] (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) تبكيت لأولئك الفجرة أيضا ببيان أن الحقيق بالنقم والعيب حقيقة ما هم عليه من الدين المحرف ، وفيه نعي عليهم على سبيل التعريض بجناياتهم وما حاق بهم من تبعاتها وعقوباتها ، ولم يصرح سبحانه لئلا يحملهم التصريح بذلك على ركوب متن المكابرة والعناد ، وخاطبهم قبل البيان بما ينبئ عن عظم شأن المبين ، ويستدعي إقبالهم على تلقيه من الجملة الاستفهامية المشوقة إلى المخبر به ، والتنبئة المشعرة بكونه أمرا خطرا لما أن النبأ هو الخبر الذي له شأن وخطر ، والإشارة إلى الدين المتقوم لهم ، واعتبرت الشرّية بالنسبة إليه ـ مع أنه خير محض منزه عن شائبة الشرّية بالكلية ـ مجاراة معهم على زعمهم الباطل المنعقد على كمال شرّيته ، وحاشاه ليثبت أن دينهم شر ، من كل شر ، ولم يقل سبحانه بأنقم تنصيصا على مناط الشرية لأن مجرد النقم لا يفيدها البتة لجواز كون العيب من جهة العائب :
فكم من عائب قولا صحيحا |
|
وآفته من الفهم السقيم |
وفي ذلك تحقيق لشرية ما سيذكر وزيادة تقرير لها ، وقيل : إنما قال : (بِشَرٍّ) لوقوعه في عبارة المخاطبين ، فقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير ، وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : أتى النبي صلىاللهعليهوسلم نفر من يهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ونافع بن أبي نافع وغازي بن عمرو وزيد وخالد وإزار بن أبي إزار فسألوه عليه الصلاة والسلام عمن يؤمن به من الرسل قال : أومن بالله تعالى وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى ، وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، فلما ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام جحدوا نبوته ، وقالوا : لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به ، ثم قالوا ـ كما في رواية الطبراني ـ لا نعلم دينا شرا من دينكم ، فأنزل الله تعالى الآية ، وبهذا الخبر انتصر من ذهب إلى أن المخاطبين ـ بأنبئكم ـ هم أهل الكتاب. وقال بعضهم : المخاطب هم الكفار مطلقا ، وقيل : هم المؤمنون ، وكما اختلف في الخطاب اختلف في المشار إليه بذلك ، فالجمهور على ما قدمناه ، وقيل : الإشارة إلى الأكثر الفاسقين ، ووحد الاسم إما لأنه يشار به إلى الواحد وغيره ، وليس كالضمير ، أو لتأويله بالمذكور ونحوه.
وقيل : الإشارة إلى الأشخاص المتقدمين الذين هم أهل الكتاب ، والمراد أن السلف شر من الخلف (مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) أي جزاء ثابتا عنده تعالى ، وهو مصدر ميمي بمعنى الثواب ، ويقال في الخير والشر لأنه ما رجع إلى الإنسان من جزاء أعماله سمي به بتصور أن ما عمله يرجع إليه كما يشير إليه قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ، ٨] حيث لم يقل سبحانه ـ يرى جزاءه ـ إلا أن الأكثر المتعارف استعماله في الخير ، ومثله في ذلك المثوبة واستعمالها هنا في الشر على طريقة التحكم كقوله : تحية بينهم ضرب وجيع. ونصبها على التمييز من (بِشَرٍّ) ، وقيل : يجوز أن تجعل مفعولا له ـ لأنبئكم ـ أي هل أنبئكم لطلب مثوبة عند الله تعالى في هذا الإنباء ، ويحتمل أن يصير سبب مخافتكم ويفضي إلى هدايتكم ، وعليه فالمثوبة في المتعارف من استعمالها ، وهو وإن كان له وجه لكنه خلاف الظاهر ، وقرئ «مثوبة» بسكون الثاء وفتح الواو ، ومثلها مشورة. ومشورة خلافا للحريري في إيجابه مشورة كمعونة ، وقوله سبحانه : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) خبر لمبتدإ محذوف بتقدير مضاف قبله