إسرائيل ، والأول أولى ، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وقيل : إن أهل إيلة لما اعتدوا في السبت قال داود عليه الصلاة والسلام : اللهم ألبسهم اللعن مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين ، فمسخهم الله تعالى قردة ، وأصحاب المائدة لما كفروا قال عيسى عليه الصلاة والسلام : اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت ، فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي ، وروي هذا القول عن الحسن ومجاهد وقتادة ، وروي مثله عن الباقر رضي الله تعالى عنه ، واختاره غير واحد ، والمراد باللسان الجارحة ، وإفراده أحد الاستعمالات الثلاث المشهورة في مثل ذلك ، وقيل : المراد به اللغة (ذلِكَ) أي اللعن المذكور ، وإيثار الإشارة على الضمير للإشارة إلى كمال ظهوره وامتيازه عن نظائره وانتظامه بسببه في سلك الأمور المشاهدة ، وما في ذلك من البعد للإيذان بكمال فظاعته وبعد درجته في الشناعة والهول (بِما عَصَوْا) أي بسبب عصيانهم ، والجار متعلق بمحذوف وقع خبرا عن المبتدأ قبله ، والجملة استئناف واقع موقع الجواب عما نشأ من الكلام ، كأنه قيل : بأي سبب وقع ذلك؟ فقيل : ذلك اللعن الهائل الفظيع بسبب عصيانهم ، وقوله تعالى : (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) يحتمل أن يكون معطوفا على (عَصَوْا) فيكون داخلا في حيز السبب ، أي وبسبب اعتدائهم المستمر ، وينبئ عن إرادة الاستمرار الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل.
وادعى الزمخشري إفادة الكلام حصر السبب فيما ذكر ، أي بسبب ذلك لا غير ، ولعله ـ كما قيل ـ استفيد من العدول عن الظاهر ، وهو تعلق (بِما عَصَوْا) بلعن دون ذكر اسم الإشارة ، فلما جيء به استحقارا لذلك اللعن وجوابا عن سؤال الموجب دل على أن مجموعه بهذا السبب لا بسبب آخر ، وقيل : استفيد من السببية لأن المتبادر منها ما في ضمن السبب التام وهو يفيد ذلك ، ولا يرد على الحصر أن كفرهم سبب أيضا ـ كما يشعر به أخذه في حيز الصلة ـ لأن ما ذكر في حيز السببية هنا مشتمل على كفرهم أيضا ، ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بأنه كان شأنهم وأمرهم الاعتداء ، وتجاوز الحد في العصيان ، وقوله تعالى : (انُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) مؤذن باستمرار الاعتداء فإنه استئناف مفيد لاستمرار عدم التناهي عن المنكر ، ولا يمكن استمراره إلا باستمرار تعاطي المنكرات ، وليس المراد بالتناهي أن ينهى كل منهم الآخر عما يفعله من المنكر ـ كما هو المعنى المشهور لصيغة التفاعل ـ بل مجرد صدور النهي عن أشخاص متعددة من غير أن يكون كل واحد منهم ناهيا ومنهيا معا ، كما في تراءوا الهلال ، وقيل : التناهي بمعنى الانتهاء من قولهم : تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع ، فالجملة حينئذ مفسرة لما قبلها من المعصية والاعتداء ، ومفيدة لاستمرارهما صريحا ، وعلى الأول إنما تفيد استمرار انتفاء النهي عن المنكر ومن ضرورته استمرار فعله ، وعلى التقديرين لا تقوى هذه الجملة احتمال الاستئناف فيما سبق خلافا لأبي حيان.
والمراد بالمنكر قيل : صيد السمك يوم السبت ، وقيل : أخذ الرشوة في الحكم ، وقيل : أكل الربا وأثمان الشحوم ، والأولى أن يراد به نوع المنكر مطلقا ، وما يفيده التنوين وحدة نوعية لا شخصية ، وحينئذ لا يقدح وصفه بالفعل الماضي في تعلق النهي به لما أن متعلق الفعل إنما هو فرد من أفراد ما يتعلق به النهي ، أو الانتهاء عن مطلق المنكر باعتبار تحققه في ضمن أي فرد كان من أفراده على أنه لو جعل المضي في (فَعَلُوهُ) بالنسبة إلى زمن الخطاب لا زمان النهي لم يبق في الآية إشكال ، ولما غفل بعضهم عن ذلك قال : إن الآية مشكلة لما فيها من ذم القوم بعدم النهي عما وقع مع أن النهي لا يتصور فيه أصلا ، وإنما يكون عن الشيء قبل وقوعه ، فلا بد من تأويلها بأن المراد النهي عن العود إليه ، وهذا إما بتقدير مضاف قبل (مُنكَرٍ) أي معاودة منكر ، أو بفهم من السياق ، أو بأن المراد فعلوا مثله ، أو بحمل (فَعَلُوهُ) على أرادوا فعله ، كما في قوله سبحانه : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) [النحل : ٩٨].