يده. وكذا كان كما قص الله تعالى (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) [القصص : ٤] وأما المعقول فهو أن هذا العلم ما خلت عنه ملة من الملل ولا أمه من الأمم ولم يزالوا مشتغلين به معولين عليه في معرفة المصالح ، ولو كان فاسدا بالكلية لاستحال إطباق أهل المشرق والمغرب من أول بناء العالم إلى آخره عليه ، والتجارب في هذا الباب أكثر من أن تحصى اه كلامه.
ولعمري لقد نثر الكنانة ونفض الجعبة واستفرغ الوسع وبذل الجهد وروج وبهرج وقعقع وفرقع ومن غير طحن جعجع وجمع بين ما يعلم بالضرورة أنه كذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى أصحابه وما يعلم بالضرورة أنه خطأ في تأويل كلام الله تعالى ومعرفة مراده سبحانه ، ولا يروج ما ذكره إلا على مفرط في الجهل أو مقلد لأهل الباطل من المنجمين وإن أردت الإيضاح وأحببت الاتضاح فاسمع لما نقول : ما ذكره من الاستدلالات أو هي من بيوت العناكب وأشبه شيء بناء الحباحب ؛ فأما الاستدلال بقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ) [التكوير : ١٥ ، ١٦] ففيه إنا لا نسلم إن هناك قسما بالنجوم فقد روي عن ابن مسعود أن المراد بالخنس بقر الوحش وهي رواية عن ابن عباس واختاره ابن جبير ، وحكى الماوردي أنها الملائكة ، وإذا سلم ذلك بناء على أنه الذي ذهب إليه الجمهور فأي دلالة فيه على التأثير وقد أقسم سبحانه بالليل والنهار والضحى ومكة والوالد وما ولد والفجر وليال عشر والشفع والوتر والسماء والأرض واليوم الموعود وشاهد ومشهود والمرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات والتين والزيتون وطور سينين إلى غير ذلك فلو كان الإقسام بشيء دليلا على تأثيره لزم أن يكون جميع ما أقسم به تعالى مؤثرا وهم لا يقولون به وإن لم يكن دليلا فالاستدلال به باطل ، ومثله في ذلك الاستدلال بقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة : ٧٢] وقد فسر غير واحد مواقع النجوم بمنازل القرآن ونجومه التي نزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم في مدة ثلاث وعشرين سنة ، وكذا الاستدلال بقوله سبحانه وتعالى (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) [الطارق : ١].
وأما قوله تعالى (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) [النازعات : ٥] فلم يقل أحد من الصحابة والتابعين وعلماء التفسير أنه إقسام بالنجوم فهذا ابن عباس وعطاء وعبد الرحمن بن سابط وابن قتيبة وغيرهم قالوا : إن المراد بالمدبرات أمرا الملائكة حتى قال ابن عطية : لا أحفظ خلافا في ذلك ، وكذلك (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) [الذاريات : ٤] فتفسيرهما بالنجوم تفسير المنجمين ومن سلك سبيلهم وهو تفسير بالرأي والعياذ بالله تعالى ، وأما وصفه تعالى بعض الأيام بالنحوسة كما في الآية التي ذكرها فليس ذلك لتأثير الكواكب ونحوستها بحسب ما يزعم المنجم بل لأن الله تعالى عذب أعداءه فيها فهي أيام مشاتيم على الأعداء فوصف تلك الأيام بنحسات كوصف يوم القيامة بأنه عسير على الكافرين.
وكذا يقال في قوله تعالى (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) [القمر : ١٩] وليس (مُسْتَمِرٍّ) فيه صفة (يَوْمِ) بل هو صفة (نَحْسٍ) أي نحس دائم لا يقلع عنهم كما تقلع مصائب الدنيا عن أهلها ، والقول بأنه صفة (يَوْمِ) وإن المراد به يوم أربعاء آخر الشهر وإنه نحس أبدا غلط ولا يكاد المنجم يزعم نحوسة يوم أربعاء آخر الشهر ولو شهر صفر أبدا بل كثيرا ما يحكم بغاية سعده حسبما تقتضيه الأوضاع الفلكية فيه بزعمه.
وأما استدلاله بالآيات الدالة على أنه سبحانه وضع حركات هذه الأجرام على وجه ينتفع بها في مصالح هذا العالم فمن الطرائف إذ الأليق لو صح زعم المنجم أن يذكر في الآية ما يقتضيه النجوم من السعد والنحس وتعطيه من السعادة والشقاوة وتهبه من الأعمار والأرزاق والعلوم والمعارف وسائر ما في العالم من الخير والشر فإن العبرة بذلك