الكهانة ومنها المنامات ومنها الفأل والزجر وضرب الحصى والخط والكتف والكشف المستند إلى الرياضة وهو كشف جزئي عن بعض الحوادث ويشترك فيه المؤمن والكافر ومنها غير ذلك ، وللعمال في البحر والسعاة ونحوهم في البر علامات يعرفون بها أوقات المطر والصحو والبرد والريح وغيرها وقلما يخطئون في أخبارهم بل صوابهم في ذلك أكثر من صواب المنجم.
وأما ما ذكره من حديث أبي الدرداء فالمحفوظ فيه «توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتركنا وما طائر يقلب جناحيه إلا وقد ذكر لنا منه علما» وفيه روايات أخر صحيحة أيضا وكلها ليس فيها وليست الكواكب إلخ فهو من أعظم الأدلة على بطلان دعوى المنجمين إذ لم يذكر عليه الصلاة والسلام من أحكام النجوم شيئا البتة وقد علمهم علم كل شيء حتى الخرأة ، وأما قوله إنه جاء في الآثار أن أول من أعطى هذا العلم آدم عليهالسلام إلخ فكذب وافتراء على آدم عليهالسلام ، وقد عمل هذا الكاذب المفتري بالمثل السائر إذا كذبت فأبعد شاهدك ، ونحوه ما روي عن ميمون بن مهران. وأما ما نسب إلى الشافعي فهو بعض من حكاية ذكرها أبو عبد الله الحاكم فيما ألفه في مناقبه والحكايات التي ذكرت عنه في أحكام النجوم ثلاث. إحداها قال الحاكم : قرئ على أبي يعلى حمزة بن محمد العلوي وأكثر ظني أني حضرته ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العباس الأزدي في آخرين قالوا ثنا محمد بن أبي يعقوب الجوال الدينوري ثنا عبد الله بن محمد البلوي حدثني خالي عمارة بن زيد قال : كنت صديقا لمحمد بن الحسن فدخلت معه يوما على هارون الرشيد فسأله ثم إني سمعت محمد بن الحسن وهو يقول : إن محمد بن إدريس يزعم أنه للخلافة أهل قال فاستشاط هارون من قوله غضبا ثم قال : علي به فلما مثل بين يديه أطرق ساعة ثم رفع رأسه إليه فقال : أيها قال الشافعي : ما أيها أمير المؤمنين أنت الداعي وأنا المدعو وأنت السائل وأنا المجيب فذكر حكاية طويلة سأله فيها عن العلوم ومعرفته بها إلى أن قال : كيف علمك بالنجوم؟ قال : أعرف الفلك الدائر والنجم السائر والقطب الثابت والمائي والناري وما كانت العرب تسميه الأنواء ومنازل النيرين والاستقامة والرجوع والنحوس والسعود وهيئاتها وطبائعها وما أستدل به في بري وبحري وأستدل في أوقات صلاتي وأعرف ما مضى من الأوقات في إمسائي وإصباحي وظعني في أسفاري ثم ساق العلوم على هذا النحو ، ومن له علم بالمنقولات يعلم أن هذه الحكاية كذب مختلق وإفك مفترى على الشافعي والبلاء فيها من عند محمد بن عبد الله البلوي فإنه كذاب وضاع وهو الذي وضع رحلة الشافعي وذكر فيها مناظرته لأبي يوسف بحضرة الرشيد ولم ير الشافعي أبا يوسف ولا اجتمع به قط وإنما دخل بغداد بعد موته ويشهد بكذبها أنها تدل على أن محمدا وشى بالشافعي إلى الرشيد وأراد قتله ومحمد أجلّ من أن ينسب إليه ذلك وتعظيمه للشافعي ومحبته إياه هو المعروف كتعظيم الشافعي له وثنائه عليه ، وفيها شواهد أخر على الكذب يعرفها العالم بالمنقول إذا اطلع عليها كلها ، وثانيتها وهي التي أخذت منها ما ذكرها الإمام ، قال الحاكم : أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال حدثت عن الحسن بن سفيان عن حرملة : قال : كان الشافعي يديم النظر في كتب النجوم وكان له صديق وعنده جارية قد حبلت فقال : إنها تلد إليّ سبعة وعشرين يوما ويكون في فخذ الولد الأيسر خال أسود ويعيش أربعة وعشرين يوما ثم يموت فكان الأمر كما قال فأحرق بعد ذلك تلك الكتب وما عاود النظر في شيء منها ، وهذا الإسناد رجاله ثقات لكن الشأن فيمن حدث أبا الوليد عن الحسن بن سفيان أو فيمن حدث الحسن عن حرملة ، ويدل على كذب الحكاية أنها لو صحت لوجب أن تثنى الخناصر على هذا العلم وتشد به الأيدي لا أن تحرق كتبه ولا يعاود النظر في شيء منها ، وأن الطالع عند المنجمين طالعان : طالع مسقط النطفة وهو الطالع الأصلي الذي يزعمون دلالته على وقت الولادة والحكاية لم تتضمن أن الشافعي نظر فيه ولو كان لتضمنته وطالع الولادة وأخبار الشافعي قبلها ضرورة أنه قال :