على حلقي فيكون أهون للموت علي فإذا أتيت أمي فاقرأ عليهاالسلام مني فأقبل عليه إبراهيم يقبله. وكل منهما يبكي ، ومنها ما في حديث أخرجه أحمد وجماعة عن ابن عباس أنه قال لأبيه وكان عليه قميص أبيض يا أبت ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فكان ما قص الله عزوجل. وكان ذلك عند الصخرة التي بمنى ، وعن الحسن في الموضع المشرف على مسجد مني ، وعن الضحاك في المنحر الذي ينحر فيه اليوم ، وقيل كان ببيت المقدس وحكي ذلك عن كعب ، وحكى الإمام مع هذا القول أنه كان بالشام.
(وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) قيل ناداه من خلفه ملك من قبله تعالى بذلك ، و (أَنْ) مفسرة بمعنى أي (١) وقرأ زيد بن علي قد صدقت بحذفها ، وقرئ «صدقت» بالتخفيف ، وقرأ فياض «الريا» بكسر الراء والإدغام ، وتصديقه عليهالسلام الرؤيا توفيته حقها من العمل وبذل وسعه في إيقاعها وذلك بالعزم والإتيان بالمقدمات ولا يلزم فيه وقوع ما رآه بعينه ، وقيل هو إيقاع تأويلها وتأويلها ما وقع ، ويفهم من كلام الإمام أنه الاعتراف بوجوب العمل بها ، ولا يدل على الإتيان بكل ما رآه في المنام ، وهل أمر عليهالسلام الشفرة على حلقه أم لا قولان ذهب إلى الثاني منهما كثير من الأجلة ، وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أنه عليهالسلام لما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، وأخرج هو وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أنه عالج قميصه ليخلعه فنودي بذلك.
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضا فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحمل المدية حتى نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ، وأخرج عبد بن حميد وغيره من مجاهد فلما أدخل يده ليذبحه نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع رأسه فرأى الكبش ينحط إليه حتى وقع عليه فذبحه ، وفي رواية أخرى عنه أخرجها عبد بن حميد أيضا وابن المنذر أنه أمرّ السكين فانقلبت ، وإلى عدم الإمرار ذهبت اليهود أيضا لما في توراتهم مد إبراهيم يده فأخذ السكين فقال له ملاك الله من السماء قائلا : يا إبراهيم يا إبراهيم قال : لبيك قال : لا تمد يدك إلى الغلام ولا تصنع به شيئا ، وذهب إلى الأول طائفة فمنهم من قال : إنه أمرها ولم تقطع مع عدم المانع لأن القطع بخلق الله تعالى فيها أو عندها عادة وقد لا يخلق سبحانه ، ومنهم من قال : أنه أمرها ولم تقطع لمانع ، فقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء بن يسار أنه عليهالسلام قام إليه بالشفرة فبرك عليه فجعل الله تعالى ما بين لبته إلى منحره نحاسا لا تؤثر فيه الشفرة ، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه عليهالسلام جر السكين على حلقه فلم ينحر وضرب الله تعالى على حلقه صفيحة من نحاس ، وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن فضيل بن عياض قال : أضجعه ووضع الشفرة فقلبها جبريل عليهالسلام ، وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن عطاء أنه نحر في حلقه فإذا هو قد نحر في نحاس فشحذ الشفرة مرتين أو ثلاثا بالحجر ، وضعف جميع ذلك. وقيل إنه عليهالسلام ذبح لكن كان كلما قطع موضعا من الحلق أوصله الله تعالى ، وزعموا ورود ذلك في بعض الأخبار ولا يكاد يصح ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما يتعلق بهذا المقام من الكلام ، وجواب لما محذوف مقدر بعد (صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أي كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما الله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك ، وهو أولى من تقدير فإذا ونحوه ، وقدره بعض البصريين بعد (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) أي أجزلنا أجرهما ، وعن الخليل وسيبويه تقديره قبل
__________________
(١) قوله وقرأ زيد بن علي قد صدقت بحذفها كذا في الأصل ولعل قد صدقت من زيادة القلم وحرر القراءة اه.