المنذرين صباحهم على أن ساء بمعنى بئس وبها قرأ عبد الله والمخصوص بالذم محذوف واللام في المنذرين للجنس لا للعهد لاشتراطهم الشيوع فيما بعد فعلى الذم والمدح ليكون التفسير بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال ولو كان ساء بمعنى قبح على أصله جاز اعتبار العهد من غير تقدير ، والصباح مستعار لوقت نزول العذاب أي وقت كان من صباح الجيش المبيت للعدو وهو السائر إليه ليلا ليهجم عليه وهو في غفلته صباحا ، وكثيرا ما يسمون الغارة صباحا لما أنها في الأعم الأغلب تقع فيه ، وهو مجاز مرسل أطلق فيه الزمان وأريد ما وقع فيه كما يقال أيام العرب لوقائعهم.
وجوز حمل الصباح هنا على ذلك ، وفي الكشاف مثل العذاب النازل بهم بعد ما أنذروه فأنكروه بجيش أنذر بهجومه قوما بعض نصّاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره ولا أخذوا أهبتهم ولا دبروا أمرهم تدبيرا ينجيهم حتى أناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة وقطع دابرهم ، وكانت عادة مغاويرهم إصباحا فسميت الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر ؛ وما فصحت هذه الآية ولا كانت لها الروعة التي يحس بها ويروقك موردها على نفسك وطبعك إلا لمجيئها على طريقة التمثيل انتهى ، وظاهره أن الكلام على الاستعارة التمثيلية وفضلها على غيرها أشهر من أن يذكر وأجل من أن ينكر ، وقيل : ضمير نزل للنبي صلىاللهعليهوسلم ويراد حينئذ نزوله يوم الفتح لا يوم بدر لأنه ليس بساحتهم الأعلى تأويل ولا بخيبر لقوله صلىاللهعليهوسلم حين صبحها الله أكبر خربت خيبر أنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين لأن تلاوته عليه الصلاة والسلام تمت لاستشهاده بها والكلام هنا مع المشركين ، ولا يخفى بعد رجوع الضمير إليه عليه الصلاة والسلام.
(وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ* وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إثر تسلية وتأكيد لوقوع الميعاد غب تأكيد مع ما في اطلاق الفعلين عن المفعول من الإيذان ظاهرا بأن ما يبصره عليه الصلاة والسلام حينئذ من فنون المسار وما يبصرونه من فنون المضار لا يحيط به الوصف والبيان ، وجوز أن يراد بما تقدم عذاب الدنيا وبهذا عذاب الآخرة (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) تنزيه لله تعالى شأنه عن كل ما يصفه المشركون به مما لا يليق بجناب كبريائه وجبروته مما حكي عنهم في السورة الكريمة وما لم يحك من الأمور التي من جملتها ترك إنجاز الموعود على موجب كلمته تعالى السابقة لا سيما في حق الرسول صلىاللهعليهوسلم كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية المعربة عن التربية والتكميل والمالكية الكلية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام أولا وإلى العزة ثانيا كأنه قيل : سبحان من هو مربيك ومكملك ومالك العزة والغلبة على الإطلاق عما يصفه المشركون به من الأشياء التي منها ترك نصرتك عليهم كما يدل عليه استعجالهم بالعذاب ، ومعنى ملكه تعالى العزة على الإطلاق أنه ما من عزة لأحد من الملوك وغيرهم إلا وهو عزوجل مالكها ، وقال الزمخشري : أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه تعالى بها كأنه قيل ذو العزة كما تقول صاحب صدق لاختصاصه بالصدق ، ثم ذكر جواز إرادة المعنى الذي ذكرناه ، والفرق أن الإضافة على ما ذكرنا على أنه سبحانه المعز وعلى الآخر على أنه عزوجل العزيز بنفسه. ولكل وجه من المبالغة خلا عنه الآخر ، وقوله تعالى : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) تشريف للرسل كلهم بعد تنزيهه تعالى عما ذكر وتنويه بشأنهم وإيذان بأنهم سالمون عن كل المكاره فائزون بكل المآرب ، وقوله سبحانه : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إشارة إلى وصفه تعالى بصفاته الكريمة الثبوتية بعد التنبيه على اتصافه عزوجل بجميع صفاته السلبية وإيذان باستتباعها للأفعال الحميدة التي من جملتها إفاضته تعالى على المرسلين من فنون الكرامات السنية والكمالات الدينية والدنيوية وإسباغه جل وعلا عليهم وعلى من تبعهم من صنوف النعماء الظاهرة والباطنة الموجبة لحمده تعالى وإشعار بأن ما وعده عليهالسلام من النصرة والغلبة قد تحقق ، والمراد تنبيه المؤمنين على كيفية تسبيحه سبحانه وتحميده والتسليم على رسله عليهمالسلام الذين هم وسائط بينه تعالى وبينهم في فيضان الكمالات مطلقا عليهم.