وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه أمر من صادى أي عارض ، ومنه الصدى وهو ما يعارض الصوت الأول ويقابله بمثله في الأماكن الخالية والأجسام الصلبة العالية ، والمعنى عارض القرآن بعملك أي اعمل بأوامره ونواهيه ، وقال عبد الوهاب : أي اعرضه على عملك فانظر أين عملك من القرآن ، وقيل هو أمر من صادى أي حادث ، والمعنى حادث القرآن ، وهو رواية عن الحسن أيضا وله قرب من الأول. وقرأ عيسى ومحبوب عن أبي عمرو وفرقة «صاد» بفتح الدال ، وكذا قرءوا قاف ونون بالفتح فيهما فقيل هو لالتقاء الساكنين أيضا طلبا للخفة ، وقيل هو حركة إعراب على أن «صاد» منصوب بفعل مضمر أي اذكر أو اقرأ صاد أو بفعل القسم بعد نزع الخافض لما فيه من معنى التعظيم المتعدي بنفسه نحو الله لأفعلن أو مجرور بإضمار حرف القسم ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث بناء على أنه علم السورة ، وقد ذكر الشريف أنه إذا اشتهر مسمى بإطلاق لفظ عليه يلاحظ المسمى في ضمن ذلك اللفظ وأنه بهذا الاعتبار يصح اعتبار التأنيث في الاسم. وقرأ ابن أبي إسحاق في رواية «صاد» بالجر والتنوين ، وذلك إما لأن الثلاثي الساكن الوسط يجوز صرفه بل قيل إنه الأرجح ، وإما لاعتبار ذلك اسما للقرآن كما هو أحد الاحتمالات فيه فلم يتحقق فيه العلتان فوجب صرفه ، والقول بأن ذاك لكونه علما لمعنى السورة لا للفظها فلا تأنيث فيه مع العلمية ليكون هناك علتان لا يخلو عن دغدغة. وقرأ ابن السميفع وهارون الأعور والحسن في رواية «صاد» بضم الدال ، وكأنه اعتبر اسما للسورة وجعل خبر مبتدأ محذوف أي هذه صاد ، ولهم في معناه غير متقيدين بقراءة الجمهور اختلاف كاضرابه من أوائل السور ، فأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال : سئل جابر بن عبد الله وابن عباس عن «ص» فقالا : ما ندري ما هو ، وهو مذهب كثير في نظائره ، وقال عكرمة : سئل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن «ص» فقال : ص كان بحرا بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار.
وقال ابن جبير : هو بحر يحيي الله تعالى به الموتى بين النفختين ، والله تعالى أعلم بصحة هذين الخبرين.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال (ص) صدق الله ، وأخرج ابن مردويه عنه أنه قال (ص) يقول إني أنا الله الصادق ، وقال محمد بن كعب القرظي : هو مفتاح أسماء الله تعالى صمد وصانع المصنوعات وصادق الوعد.
وقيل هو إشارة إلى صدود الكفار عن القرآن. وقيل حرف مسرود على منهاج التحدي ، وجنح إليه غير واحد من أرباب التحقيق ، وقيل اسم للسورة وإليه ذهب الخليل وسيبويه والأكثرون ، وقيل اسم للقرآن وقيل غير ذلك باعتبار بعض القراءات كما سمعت عن قريب ، ومن الغريب أن المعنى صاد محمد صلىاللهعليهوسلم قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به ، ولعل القائل به اعتبره فعلا ماضيا مفتوح الآخر أو ساكنه للموقف ، وأنا لا أقول به ولا أرتضيه وجها ، وهو على بعض هذه الأوجه لا حظّ له من الإعراب ، وعلى بعضها يجوز أن يكون مقسما به ومفعولا لمضمر وخبر مبتدأ محذوف ، وعلى بعضها يتعين كونه مقسما به ، وعلى بعض ما تقدم في القراءات يتأتى ما يتأتى مما لا يخفى عليك ، وبالجملة إن لم يعتبر مقسما به فالواو في قوله سبحانه (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) للقسم وإن اعتبر مقسما به فهي للعطف عليه لكن إذا كان قسما منصوبا على الحذف والإيصال يكون العطف عليه باعتبار المعنى والأصل ، ثم المغايرة بينهما قد تكون حقيقية كما إذا أريد بالقرآن كله وب (ص) السورة أو بالعكس أو أريد ب (ص) البحر الذي قيل به فيما مر وبالقرآن كله أو بالسورة ، وقد تكون اعتبارية كما إذا أريد بكل السورة أو القرآن على ما قيل ، ولا يخفى ما تقتضيه الجزالة الخالية عن التكلف.
وضعف جعل الواو للقسم أيضا بناء على قول جمع أن توارد قسمين على مقسم عليه واحد ضعيف ، والذكر كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس الشرف ومنه قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] أو الذكرى