العاطفون تحين لا من عاطف |
|
والمطعمون زمان ما من مطعم |
وكون أصله العاطفونه بها السكت فلما أثبتت في الدرج قلبت تاء مما لا يصغى إليه ، نعم الأولى اعتبار التاء مع لا لشهرة حين دون تحين ، وقال بعضهم : إن لات هي ليس بعينها وأصل ليس ليس بكسر الياء فابدلت ألفا لتحركها بعد فتحة وأبدلت السين تاء كما في ست فإن أصله سدس ، وقيل : إنها فعل ماض ولات بمعنى نقص وقل فاستعملت في النفي كقل وليس بالمعول عليه ، والمناص المنجأ والفوت يقال : ناصه ينوصه إذا فاته ، وقال الفراء : النوص التأخر ناص عن قرنه ينوص نوصا ومناصا أي فر وزاغ ، ويقال استناص طلب المناص قال حارثة بن بدر يصف فرسا له :
غمر الجراء إذا قصرت عنانه |
|
بيدي استناص ورام جري المسحل |
وعلى المعنى الأول حمله بعضهم هنا وقال : المعنى نادوا واستغاثوا طلبا للنجاة والحال أن ليس الحين حين فوات ونجاة ؛ وعن مجاهد تفسيره بالفرار ، وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) فقال : ليس بحين فرار وأنشد له قول الأعشى :
تذكرت ليلى لات حين تذكر |
|
وقد بنت عنها والمناص بعيد |
وعن الكلبي أنه قال : كانوا إذا قاتلوا فاضطروا قال بعضهم لبعض : مناص أي عليكم بالفرار فلما أتاهم العذاب قالوا : مناص فقال الله تعالى (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) قال القشيري : فعلى هذا يكون التقدير فنادوا مناص فحذف لدلالة ما بعده عليه أي ليس الوقت وقت ندائكم به ، والظاهر أن الجملة على هذا التفسير حالية أي نادوا بالفرار وليس الوقت وقت فرار ، وقال أبو حيان : في تقرير الحالية وهم لات حين مناص أي لهم ، وقال الجرجاني : أي فنادوا حين لا مناص أي ساعة لا منجى ولا فوت فلما قدم لا وأخر حين اقتضى ذلك الواو كما يقتضي الحال إذا جعل مبتدأ وخبرا مثل جاء زيد راكبا ثم تقول جاء زيد وهو راكب فحين ظرف لقوله تعالى (فَنادَوْا) انتهى.
وكون الأصل ما ذكر أن (حِينَ) ظرف لنادوا دعوى أعجمية مخالفة لذوق الكلام العربي لا سيما ما هو أفصح الكلام ولا أدري ما الذي دعاه لذلك (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) حكاية لأباطيلهم المتفرعة على ما كان من استكبارهم وشقاقهم أي عجبوا من أن جاءهم رسول من جنسهم أي بشر أو من نوعهم وهم معروفون بالأمية فيكون المعنى رسول أمي ، والمراد أنهم عدوا ذلك أمرا عجيبا خارجا عن احتمال الوقوع وأنكروه أشد الإنكار لا أنهم اعتقدوا وقوعه وتعجبوا منه (وَقالَ الْكافِرُونَ) وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضبا عليهم وذما لهم وإيذانا بأنه لا يتجاسر على مثل ما يقولون إلا المتوغلون في الكفر والفسوق (هذا ساحِرٌ) فيما يظهره مما لا نستطيع له مثلا (كَذَّابٌ) فيما يسنده إلى الله عزوجل من الإرسال والإنزال.
(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) بأن نفي الألوهية عنها وقصرها على واحد فالجعل بمعنى التصيير وليس تصييرا في الخارج بل في القول والتسمية كما في قوله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] وليس ذلك من باب إنكار وحدة الوجود في شيء ليقال إن الله سبحانه نعى على الكفرة ذلك الإنكار فتثبت الوحدة فإنه عليه الصلاة والسلام ما قال باتحاد آلهتهم معه عزوجل في الوجود (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) أي بليغ في العجب فإن فعالا بناء مبالغة كرجل طوال وسراع ، ووجه تعجبهم أنه خلاف ما ألفوا عليه آباءهم الذين أجمعوا على تعدد الآلهة وواظبوا على عبادتها وقد كان مدارهم في كل ما يأتون ويذرون التقليد فيعدون خلاف ما اعتادوه عجيبا بل محالا ، وقيل مدار تعجبهم زعمهم عدم وفاء علم الواحد وقدره بالأشياء الكثيرة وهو لا يتم إلا إن ادعوا لآلهتهم علما