فخر على وجهه راكعا |
|
وتاب إلى الله من كل ذنب |
وقيل أي خر للسجود راكعا أي مصليا على أن الركوع بمعنى الصلاة لاشتهار التجوز به عنها ، وتقدير متعلق لخر يدل عليه غلبة فحواه لأنه بمعنى سقط على الأرض كما في قوله تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦].
وقال الحسين بن الفضل : أي خر من ركوعه أي سجد بعد أن كان راكعا ، وظاهره إبقاء الركوع على حقيقته وجعل خر بمعنى سجد ، والجمهور على ما قدمنا ، واستشهد به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه على أن الركوع يقوم مقام السجود في سجدة التلاوة وهو قول الخطابي من الشافعية ولا فرق في ذلك بين الصلاة وخارجها كما في البزازية وغيرها. وفي الكشف قالوا أي الحنفية : إن القياس يقتضي أن يقوم الركوع مقام السجود لأن الشارع جعله ركوعا وتجوز بأحدهما عن الآخر لقيامه مقامه وإغنائه غناءه.
وأيدوه بأن السجود لم يؤمر به لعينه ولهذا لم يشرع قربة مقصودة بل للخضوع وهو حاصل بالركوع «فإن قلت» : إن سجدة داود عليهالسلام كانت سجدة شكر والكلام في سجدة التلاوة قلت : لا عليّ في ذلك لأني لم أستدل بفعل داود عليهالسلام بل بجعل الشارع إياه مغنيا غناء السجود ، ولأصحابنا يعني الشافعية أن يمنعوا أن علاقة المجاز ما ذكروه بل مطلق الميل عن الخضوع المشترك بينهما أو لأنه مقدمته كما قال الحسن : لا يكون ساجدا حتى يركع (١) أو خر مصليا والمعتبر غاية الخضوع وليس في الركوع اه.
ولا يخفى أن المعروف من النبي صلىاللهعليهوسلم السجود ولم نقف في خبر على أنه عليه الصلاة والسلام ركع للتلاوة بدله ولو مرة وكذا أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، وليس أمر القياس المذكور بالقوى فالأحوط فعل الوارد لا غير بل قال بعض الشافعية : إن قول الأصحاب لا يقوم الركوع مقام السجدة ظاهر في جواز الركوع وهو بعيد والقياس حرمته ، وعنى صاحب الكشف بما ذكر في السؤال من أن سجدة داود عليهالسلام كانت سجدة شكر أنها كانت كذلك من نبينا صلىاللهعليهوسلم فقد أخرج النسائي وابن مردويه بسند جيد عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم سجد في (ص) وقال : سجدها داود توبة ونسجدها شكرا أي على قبول توبة داود عليهالسلام من خلاف الأولى بعلى شأنه وقد لقي عليهالسلام على ذلك من القلق المزعج ما لم يلقه غيره كما ستعلمه إن شاء الله تعالى ، وآدم عليهالسلام وإن لقي أمرا عظيما أيضا لكنه كان مشوبا بالحزن على فراق الجنة فجوزي لذلك بأمر هذه الأمة بمعرفة قدره وأنه أنعم عليه نعمة تستوجب دوام الشكر إلى قيام الساعة ، ولقصته على ما في بعض الروايات شبه لما وقع لنبينا صلىاللهعليهوسلم في قصة زينب المقتضي للعتب عليه بقوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) [الأحزاب : ٣٧] الآية فيكون ذكرها مذكرا له عليه الصلاة والسلام وما وقع وما آل الأمر إليه مما هو أرفع وأجل فكأن ذلك اقتضى دوام الشكر بإظهار السجود له ، ولعل ذلك وجه تخصيص داود بذلك مع وقوع نظيره لغيره من الأنبياء عليهمالسلام فتأمله ، ولا تغفل عن كون السورة مكية على الصحيح وقصة زينب رضي الله تعالى عنها مدنية ، وينحل الإشكال بالتزام كون السجود بعد القصة فلينقر ، وهي عند الحنفية إحدى سجدات التلاوة الواجبة كما ذكر في الكتب الفقهية ، ومن فسر (خَرَّ راكِعاً) بخر للسجود مصليا ذهب إلى أن ما وقع من داود عليهالسلام صلاة مشتملة على السجود وكانت للاستغفار وقد جاء في شريعتنا مشروعية صلاة ركعتين
__________________
(١) قوله : أو خر مصليا : هكذا في خط المؤلف ، وانظر موقع هذه الجملة هنا.