(رُدُّوها) إلى الشمس ونحن لا نقول به فلا يلزمنا الجواب عنه ، والذي نقوله : إن الضمير للخيل والخطاب لخدمته ومع هذا لم يقل تلك الكلمة تهورا وتجبرا كما يتوهم ، وقوله : خامسها أنه اتبع هذه المعاصي بعقر الخيل وقد ورد النهي إلخ ، فيه أنه عليهالسلام لم يفعل معصية ليقال اتبع هذه المعاصي وأن الخيل عقرت قربانا وكان تقريبها مشروعا في دينه فهو طاعة ، ومن مجموع ما ذكرنا يعلم ما في قوله سادسها إلخ على أنه قد تقدم لك وجه ربط هذه القصص بما قبلها وهو لا يتوقف على التزام ما قاله في هذه القصة وما زعمه من أنه الصواب ففيه إرجاع ضمير توارت إلى الخيل ، ولا يخفى على ذي ذوق سليم وطبع مستقيم إن تواري الخيل بالحجاب عبارة ركيكة يجل عنها الكتاب المتين ، وفيه أيضا أنه لا يكاد ينساق إلى الذهن متعلق (حَتَّى تَوارَتْ) الذي أشار إليه في تقرير ما زعم صوابيته وتعلقه على ما يشير إليه كلامه المنقول آخرا مما يستبعد جدا فإن الظاهر أن قوله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) من المحكي كالذي قبله والذي بعده لا من الحكاية ، وأيضا كون الرد للمسح الذي ذكره خلاف ما جاء في الخبر الحسن وهو في نفسه بعيد ، والأغراض التي ذكرها فيه لا يخفى حالها ، ودعواه أن هذا التفسير هو الذي ينطبق عليه القرآن مما لا يتم لها دليل ولعل الدليل على عدم الانطباق ظاهر.
وقوله : أنا شديد التعجب من الناس إلخ أقول فيه : أنا تعجبي منه أشد من تعجبه من الناس حيث خفي عليه حسن الوجه الذي استحسنه الجمهور ولم يطلع على ما ورد فيه من الأخبار الحسان وظن أن القول به مناف للقول بعصمة الأنبياء عليهمالسلام حتى قال ما قال ورشق على الجمهور النبال ، وقوله في ترجيح رجوع ضمير (تَوارَتْ) إلى (الصَّافِناتُ) على رجوعه إلى الشمس أنها مذكورة بصريحها دون الشمس ليس بشيء فإن رجوعه إلى الشمس يجعل الكلام ركيكا فلا ينبغي ارتكابه لمجرد أن فيه رجوع الضمير إلى مذكور صريحا على أن في كونه راجعا إلى الصافنات المذكورة صريحا بحثا ، ولا يرد على الجمهور لزوم تخالف الضمائر في المرجع وهو تفكيك لأن التخالف مع القرينة لا ضير فيه ، وأعجب مما ذكر زعمه أنه يلزم على ما قال الجمهور أن سليمان عليهالسلام كرر قوله : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) من العصر إلى المغرب فإن الجمهور ما حاموا حول ما يلزم منه ذلك أصلا إذ لم يقل أحد منهم بأن حتى متعلقة بقال كما زعم هو بل هي عندهم متعلقة بأحببت على المعنى الذي أسلفناه ، ومن أنصف لا يرتضي أيضا القول بأنه عليهالسلام كرر ذلك القول إلى أن غابت الخيل عن عينه كما قال به هذا الإمام ، ويرد على قوله القائلون بالعود إلى الشمس قائلون بتركه عليه السلام صلاة العصر ويأباه (إِنِّي أَحْبَبْتُ) إلخ. لأن تلك المحبة لو كانت عن ذكر الله تعالى لما نسي الصلاة أن الجمهور لا يقولون بأن على للتعليل والإباء المذكور على تقدير تسليمه لا يتسنى إلا على ذلك وما يقولونه وقد أسلفناه لك بمراحل عنه.
وبالجملة قد اختلت أقوال هذا الإمام في هذا المقام ولم ينصف مع الجمهور وهم أعرف منه بالمأثور ، نعم ما ذكره في الآية وجه ممكن فيها على بعد إذا قطع النظر عن الاخبار وما جاء عن السلف من الآثار ، وقد ذكر نحوه عبد الوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر وهو في الحقيقة والله تعالى أعلم من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين قدسسره وقد خالف الجمهور كالإمام ، قال في الباب المائة والعشرين من الفتوحات ليس للمفسرين الذين جعلوا التواري للشمس دليل فإن الشمس ليس لها هنا ذكر ولا للصلاة التي يزعمون ومساق الآية لا يدل على ما قالوه بوجه ظاهر البتة ، وأما استرواحهم فيما فسروه بقوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) فالمراد بتلك الفتنة إنما هو الاختبار بالخيل هل يحبها عن ذكر ربه تعالى لها أو يحبها لعينها فأخبر عليهالسلام عن نفسه أنه أحبها عن ذكر ربه سبحانه إياها لا لحسنها وكمالها وحاجته إليها إلى آخر ما قال ، وقد كان قدسسره معاصرا للإمام وكتب إليه رسالة يرغبه فيها بسلوك