صالحا تكفل بأمور فوفى بها ، وقيل هو زكريا من قوله تعالى : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) [آل عمران : ٣٧] اه ، وقال ابن عساكر : هو نبي تكفل الله تعالى له في عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء ، وقيل لم يكن نبيا وأن اليسع استخلفه فتكفل له أن يصوم النهار ويقوم الليل ، وقيل أن يصلي كل يوم مائة ركعة ، وقيل : كان رجلا من الصالحين كان في زمانه أربعمائة نبي من بني إسرائيل فقتلهم ملك جبار إلا مائة منهم فروا من القتل فآواهم وأخفاهم وقام بمئونتهم فسماه الله تعالى ذا الكفل ، وقيل هو اليسع وأن له اسمين ويأباه ظاهر النظم (وَكُلٌ) أي وكلهم (مِنَ الْأَخْيارِ) المشهورين بالخيرية (هذا) إشارة إلى ما تقدم من الآيات الناطقة بمحاسنهم (ذِكْرٌ) أي شرف لهم وشاع الذكر بهذا المعنى لأن الشرف يلزمه الشهرة والذكر بين الناس فتجوز به عنه بعلاقة اللزوم ، والمراد في ذكر قصصهم وتنويه الله تعالى بهم شرف عظيم لهم أو المعنى هذا المذكور من الآيات نوع من الذكر الذي هو القرآن ، وذكر ذلك للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر كما يقول الجاحظ في كتبه : فهذا باب ثم شرع في باب آخر ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر : هذا وكان كيت وكيت ، ويحذف على ما قيل الخبر في مثل ذلك كثيرا وعليه (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) [ص : ٥٥] وستسمع إن شاء الله تعالى الكلام فيه فلا يقال : إنه لا فائدة فيه لأنه معلوم أنه من القرآن ، وقال ابن عباس : هذا ذكر من مضى من الأنبياء عليهمالسلام ، وقوله تعالى : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) أي مرجع شروع في بيان أجرهم الجزيل في الآجل بعد بيان ذكرهم الجميل في العاجل ، والمراد بالمتقين إما الجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا وإما نفس المذكورين عبر عنهم بذلك مدحا لهم بالتقوى التي هي الغاية القصوى في الكمال ، والجملة فيما أرى عطف على الجملة قبلها كأنه قيل : هذا شرف لهم في الدنيا وأن لهم ولأضرابهم أو إن لهم في الآخرة لحسن مآب أو هي من قبيل عطف القصة على القصة ، وقال الشهاب الخفاجي عليه الرحمة : هي حالية ولم يبين صاحب الحال ، ويبعد أن يكون (ذكرا) لأنه نكرة متقدمة وأن يكون (هذا) لأنه مبتدأ ومع ذلك في المعنى على تقدير الحالية خفاء ، وقال بعض أجلة المعاصرين : إنه أراد أن الكلام على معنى والحال كذا أي الأمر والشأن كذا ولم يرد أن الجملة حال بالمعنى المعروف الذي يقتضي ذا حال وعاملا في الحال إلى غير ذلك وادعى أن الأمر كذلك في كل جملة يقال إنها حال وليس فيها ضمير يعود على ما قبلها نحو جاء زيد والشمس طالعة وقال : إنه الذي ينبغي أن يعول عليه وإن لم يذكره النحويون اه ، والحال لا يخفى على ذي تمييز ، وإضافة (حسن) إلى (مَآبٍ) من إضافة الصفة إلى الموصوف إما بتأويل مآب ذي حسن أو حسن وإما بدونه قصدا للمبالغة.
وقوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) بدل اشتمال ، وجوز أن يكون نصبا على المدح ، وجعله الزمخشري عطف بيان لحسن مآب ، وعدن قيل من الأعلام الغالبة غلبة تقديرية ولزوم الإضافة فيها أو تعريفها باللام أغلبي كما صرح به ابن مالك في التسهيل ، وجنات عدن كمدينة طيبة لا كإنسان زيد فإنه قبيح ، وقيل العلم مجموع (جَنَّاتِ عَدْنٍ) وهو أيضا من غير الغالب لأن المراد من الإضافة التي تعوضها العلم بالغلبة إضافة تفيده تعريفا ، وعلى القولين هو معين فيصلح للبيان لكن تعقب ذلك أبو حيان بأن للنحويين في عطف البيان مذهبين ، أحدهما أن ذلك لا يكون إلا في المعارف فلا يكون عطف البيان إلا تابعا لمعرفة وهو مذهب البصريين ، والثاني أنه يجوز أن يكون في النكرات فيكون عطف البيان تابعا لنكرة كما تكون المعرفة فيه تابعة لمعرفة وهذا مذهب الكوفيين وتبعهم الفارسي ؛ وأما تخالفهما في التنكير والتعريف فلم يذهب إليه أحد سوى الزمخشري كما قد صرح به ابن مالك في التسهيل فهو بناء للأمر على مذهبه.
وذهب آخرون أن عدنا مصدر عدن بمكان كذا استقر ، ومنه المعدن لمستقر الجواهر ولا علمية ولا نقل هناك