مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٧)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَنْزِيلُ الْكِتابِ) قال الفراء والزجاج : هو مبتدأ وقوله تعالى :
(مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) خبره أو خبر مبتدأ محذوف أي هذا المذكور تنزيل ، و (مِنَ اللهِ) متعلق بتنزيل والوجه الأول أوجه كما في الكشف ، والكتاب القرآن كله وكأن الجملة عليه تعليل لكونه ذكرا للعالمين أو لقوله تعالى : (لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : ٨٨] والظاهر أن المراد بالكتاب على الوجه الثاني السورة لكونها على شرف الذكر فهي أقرب لاعتبار الحضور الذي يقتضيه اسم الإشارة فيها ، و (تَنْزِيلُ) بمعنى منزل أو قصد به المبالغة ، وقدر أبو حيان المبتدأ هو عائدا على الذكر في (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) وجعل الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل هذا الذكر ما هو فقيل هو تنزيل الكتاب والكتاب عليه القرآن وفي (تَنْزِيلُ) الاحتمالان ، وجوز على احتمال كونه خبر مبتدأ محذوف كون (مِنَ اللهِ) خبرا ثانيا وكونه خبر مبتدأ محذوف أيضا أي هذا أو هو تنزيل الكتاب هذا أو هو من الله وكونه حالا من (الْكِتابِ) وجاز الحال من المضاف إليه لأن المضاف مما يعمل عمل الفعل وكونه حالا من الضمير المستتر في (تَنْزِيلُ) على تقدير كونه بمعنى منزل وكونه حالا من (تَنْزِيلُ) نفسه والعامل فيه معنى الإشارة. وتعقب بأن معاني الأفعال لا تعمل إذا كان ما هي فيه محذوفا ولذلك ردوا على المبرد قوله في بيت الفرزدق : وإذ ما مثلهم بشر أن مثلهم منصوب على الحالية وعامله الظرف المقدر أي ما في الوجود بشر مماثلا لهم بأن الظرف عامل معنوي لا يعمل محذوفا ، وقرأ ابن أبي عبلة وزيد بن علي وعيسى «تنزيل» بالنصب على إضمار فعل نحو اقرأ والزم. والتعرض لوصفي العزة والحكمة للإيذان بظهور أثريهما في الكتاب بجريان أحكامه ونفاذ أوامره ونواهيه من غير مدافع ولا ممانع وبابتناء جميع ما فيه على أساس الحكم الباهرة ، وقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) بيان لكونه نازلا بالحق وتوطئة لما يذكر بعد. وفي إرشاد العقل السليم أنه شروع في بيان المنزل إليه وما يجب عليه أثر بيان شأن المنزل وكونه من عند الله تعالى ، وأيا ما كان لا يتكرر مع ما تقدم ، نعم كان الظاهر على تقدير كون المراد بالكتاب هناك القرآن الإتيان بضميره هاهنا إلا أنه أظهر قصدا إلى تعظيمه ومزيد الاعتناء بشأنه.
وقال ابن عطية : الذي يظهر لي أن الكتاب الأول عام لجميع ما تنزل من عند الله تعالى والكتاب الثاني خاص بالقرآن فكأنه أخبر أخبارا مجردا أن الكتب الهادية الشارعة تنزيلها من الله عزوجل وجعله توطئة لقوله سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) اه وهو كما ترى ، والباء متعلقة بالإنزال وهي للسببية أي أنزلناه بسبب الحق أي إثباته وإظهاره أو بمحذوف وقع حالا من المفعول وهي للملابسة أي أنزلناه ملتبسا بالحق والصواب ، والمراد أن كل ما فيه موجب للعمل والقبول حتما ، وجوز كون المحذوف حالا من الفاعل أي أنزلناه ملتبسين بالحق أي محقين في ذلك ، والفاء في قوله تعالى : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) لترتيب الأمر بالعبادة على إنزال الكتاب إليه عليه الصلاة والسلام بالحق أي فاعبده تعالى ممحضا له الدين من شوائب الشرك والرياء حسبما بين في تضاعيف ما أنزل إليك ، والعدول إلى